مناسبة «عشرة الفجر» الإيرانيّة وتراجيديا الشهادة الشيعيّة

لم تكن الشهادة ذات طابع سياسي، الا بعد ان قلب الامام الخميني النظام الشاه في ايران عام 1979، وهو الذي عاد من فرنسا في مثل هذه الأيام منذ 39 عاما، سُميت الأيام العشرة الأولى من شهر شباط بـ«عُشرة الفجر».

أخذت الشهادة، رغم انها مرتبطة بالموت والدم والقتل، موقعا تقديسيا عند الشيعة أكثر مما لدى السنّة- رغم انهما من منبع واحد ومصدر واحد هو الاسلام- وحيّزا كبيرا، بسبب واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين فيها منذ أكثر من 13 قرن.

ومع ولادة النظام الايراني الجديد، انطلقت شرارة الحرب العراقية – الإيرانية، فسقط جيل جديد من “الشهداء” الإيرانيين. من هنا وبسبب ارتفاع عدد الذين سقطوا في الحرب، اقامت الدولة الاسلامية الحديثة متحفا لهم ضم جميع الشهداء طيلة حرب امتدت لثماني سنوات، حيث بلغ عدد هؤلاء أكثر من 500 ألف شاب. وقد حمل المرقد، الذي يضم رفات هؤلاء الشهداء، اسم “متحف الدفاع المقدَّس”.

وقد عزز النظام الإيراني من قيمة الشهيد، فأورثها لحزب الله في لبنان، لدرجة ان مدافن الشهداء باتت محجة دائمة لا تنام خاصة مدافن “شهداء الدفاع المقدس” وهم المقاتلون الذين سقطوا في سوريا منذ العام 2012.

إقرأ ايضا: فرح النصر وغصّة الشهادة…

كما عزز حزب الله من قيمة الشهادة اعلاميّا ودينيا، ليدفع الشباب الى الالتحاق بقافلة “الشهداء”، فكان الجامعي ينتسب الى حزب الله، والى حملة الدفاع عن المقدسات في سوريا بفعل عملية تعبئة قوية داخل بيئة الحزب، وكان الاهل بفعل هذه التعبئة يدفعون بأولادهم للمشاركة في المواجهات ضد “التكفيرين” و”لحماية المراقد الشيعية المقدسة”.

وفي محاولة استطلاع، أكدت الباحثة الاجتماعية الدكتورة ليندا غدّار، لـ”جنوبية” بالقول “نترّبى على مفهوم الشهادة، نشربه مع الحليب، ويصير جزء من ثقافتنا، وهو أمر غير مكتسب، فنعيش المناسبة طيلة عشرة أيام في عاشوراء، حيث فرض علينا، كوننا خلقنا في بيئة شيعية ذلك. علما ان الشيعة الذين ولدوا في الخارج لا يعرفون شيئا عن الموضوع، لان الموضوع سياسي ومرجعه سياسي. قبلا لم يكن الشيعة يملكون القدرة على احياء المناسبة، ولكن بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران برزت هذه العادات، اضافة الى ان التيار الوهابي نمّا الحس المذهبي لدى الشيعة. اضافة الى الاحتلال الاسرائيلي حيث تم دمج العامل السياسي بالديني. وبالعودة الى الدولة الفاطمية عام 262 هـ حيث الرخاء والسلم والامن لم يكن ثمة تداول في مفهوم الشهادة، وكان النمو الفكري هو الاساس، ولم يكن أحد يتحدّث بفكرة الشهادة. ولكن في عصرنا الحالي تم استخدام مفهوم الشهادة في الموضوع السياسي. فبات الموضوع اليومي في إعلام حزب الله، كالمنار مثلا مما يؤدي الى التعبئة، وانا كعلمانيّة مؤمنة أفكر بشرعة الأمم المتحدة التي من واجبها تحصيل الحق، الا إنه وبسبب تخليّها عن دورها وجدنا ان المقاومة هي السبيل لتحرير الأرض”.

وتتابع “بالعودة الى التاريخ نجد ان الصليبين استخدموا مفهوم الشهادة لإحتلال القدس حيث استخدم المفهوم لاغراض سياسية”. وتختم الدكتورة ليندا غدّار، بالقول “ما لم يتم ربط مفهوم الشهادة بالمبادئ الوطنية، لكان ذلك أدى الى العنف”.

بالمقابل، يرى الباحث الاجتماعي الدكتور جهاد بنوت، أن “مفهوم الاستشهاد بدأ دينيا وبأعلى المراتب من خلال شهادة الإمام الحسين في كربلاء. والنص الروائي لكربلاء كُتب على مراحل وأجيال، وهو من اعطى القَبَس، ومن هناك انطلق. وبما انه مقدّس فقد ارتبط بالائمة من الامام علي الى فاطمة الزهراء”.

إقرأ ايضا: ملف حزب الله (7): «مؤسسة الشهيد» ترعى أطفال الشهداء ليصيروا شهداء

ويختم  الدكتور جهاد بنوّت، قائلا “في العصر الحديث بدأت مسألة التقديس عند الايرانيين، وهم من اعطاها ابعادا جديدة من خلال الوجدان الفارسي، اضافة الى ان الصراع السياسي الذي تأسس مع ايران وانتقل الى لبنان. وبما انها ثورة فقد تم تشبيهها بثورة الامام الحسين، وتم بالتالي تقديسها. وعند المسلمين بشكل عام النص القرآني يميّز الشهداء في آياته. والشهادة بمعناها ومضمونها موجودة في كل اللغات الدينية، ففي المسيحية يقال عن الشهيد(المُضحيّ)، والمسيحيون يعتبرون الشهادة قربانا”.

وبسبب ربط الشهادة بالطابع السياسي صنّف الناس الشهداء بحسب القضية، ومن هنا اختلفوا حول الشهيد، انطلاقا من اختلافهم حول القضية.. ويبقى الحُسين أبو الشهداء ولا خلاف حوله.

السابق
باسيل يغيب عن مؤتمر أبيدجان: خشية تعرضكم للأذية!
التالي
#منحبك_يا_نبيه هاشتاغ محبو الرئيس نبيه بري احتفاء بنهاية الأزمة