معوقو عين الحلوة: نضال مستمر لتحصيل الحقوق

محدودية الإمكانات المتوفرة لدى الجمعيات التي تعني بذوي الإعاقة في مخيم عين الحلوة، إلا أن عدداً من المعوقين استطاع أن يجد له مكاناً في المجتمع المحلي متسلحاً بما تمكن من امتلاك مهارات ساعدته على الخروج من الأنطوائية والإحباط واليأس.

شادي صبحة (28 عاماً) كفيف يسكن في حي الصفصاف – مخيم عين الحلوة، يتحدث عن حياته التي لم ير منها شيئاً منذ ولادته، ويقول: الآن أعمل موظفاً مسؤولاً عن منصة ناشط لحقوق ذوي الإعاقة. ولدت كفيفاً، عانيت كثيراً من التمييز الاجتماعي وخصوصاً من أقراني الأطفال. وضع أهلي المادي كان صعباً، كذلك منزلنا. وضعي هذا قادني إلى مزيد من الإصرار على بناء مستقبل أفضل، درست والتحقت بالمرحلة الثانوية في إحدى ثانويات الأونروا ضمن مشروع الدمج.

ويضيف صبحة: حاولت الالتحاق بجامعات خاصة لكن الإدارات رفضت استقبالي لعدم وجود تجهيزات مناسبة لوضعي لديها. انتسبت إلى الجامعة اللبنانية وحصلت على إجازة جامعية في العلوم الاجتماعية، لكن كانت الإدارة ترفض أن أشارك في زيارات ميدانية، كنت أتابع كل شيء بشكل غير مباشرة. تخرجت عام 2012، لي اهتمام كبير بالصحافة وتابعت دورات عدة، أرى في الصحافة ميدان لطرح مشكلات ذوي الإعاقة من أجل التوعية وتغيير نظرة المجتمع لهذه الفئة.

حالياً لصبحة علاقات صداقة عدة مع ناس عاديين، وهم سيقدم في المستقبل القريب على الزواج من إحدى الفتيات التي تعرف صعوبة وضعه.

يتذكر صبحة حادثة حصلت معه ويصر على ذكرها فيقول: تقدمت بطلب التحاق بالمعهد الموسيقي، لكن طلبي رفض والجواب أنهم لا يستقبلون ذوي إعاقة. ويختم روايته بالقول: طموحي أن أطوّر نفسي لكن هذا الطموح لا أراه هنا، بل خارج لبنان.

اقرأ أيضاً: جدار عين الحلوة: سجن اسمنتي كبير

اشغال يدوية

ويستخدم سليم أبو ليلى (36 عاماً) كرسي متحرك فهو مقعد منذ الولادة. ويشرح وضعه قائلاً: “إعاقتي منذ الولادة، كان عمري 19 عاماً عندما التحقت بمؤسسة الكرامة تدربت على الأشغال اليدوية، أشكّل فريقاً من أربعة أشخاص نعمل في الأشغال اليدوية، فيما تتولى المؤسسة تسويق الإنتاج وتؤمن لي دخلاً شهرياً محدداً. ويضيف: الدخل قليل لكنه أحسن من لا شيء. أنا الآن متزوج، أدفع إيجار منزل، وأبيع بطاقات تشريج وهواتف مستعملة وغيرها كي أؤمن معيشتي ومعيشة زوجتي”.

التهديد الامني

أما فادي حجير (42 عاماً) من حي الطيري، دُمّر منزله بالكامل خلال الاشتباكات الأخيرة ما اضطره لاستئجار منزل في حي آخر، وفرض ذلك عليه مسؤوليات جديدة، يقول حجير: أعمل حالياً في مشغل رسم على الزجاج، وقد ولدت ولدي مشكلة بالساقين والعينين، أجريت عمليات جراحية عدة. الذي تقلقني هو الوضع الأمني الذي يسود المخيم، وأنا حركتي ضعيفة ما يوقعني بمأزق كلما حصل اشتباك ما.

يتجاوز عدد المعوقين في الوسط الفلسطيني في لبنان 7200 شخصاً منهم نحو 2800 معوق في مخيم عين الحلوة ومنطقة صيدا حسب إحصاء هيئة الإعاقة الفلسطينية.

احصاءات

ويعدد مسؤول هيئة الإعاقة الفلسطينية الدكتور جمال الصالح أسباب الإعاقات قائلاً: 37.5% من الإعاقات وراثية، و36% مرضية، و10.4% حوادث بأشكالها المختلفة، و15.7% بسبب الحروب المباشرة وغير المباشرة. ويضيف: خلال الثمانينات كانت نسبة الإعاقة بسبب الحروب أعلى من ذلك، أما الآن فإن نسب الإعاقة بالحوادث أو الأمراض الوراثية والمرضية إلى ازدياد. ويوضح الصالح: هناك إعاقات عقلية بسبب سوء التغذية، ونشهد إعاقات ناتجة عن تشوهات خلقية وإعاقات ذهنية لأسباب وراثية.

وعن توزع الإعاقات حسب الجنس، يقول الصالح: نسبة الإعاقة عند الذكور تبلغ 62.7% وعند الإناث 37.3% وذلك بسبب الحوادث والحروب.

ويزيد: 57% من الإعاقات جسدية، لكن هنا أريد أن أشير إلى أن نسبة الإعاقات الذهنية تبلغ 13.7% أو هي عالية جداً في المخيم في حين أن 10.2% إعاقة بصرية، و6.2% إعاقة سمعية.

عوائق في التنقلات

وتواجه المؤسسات التي تتابع أوضاع المعوقين مشكلات مختلفة، توضح بعضها المعالجة الفيزيائية في مؤسسة الكرامة سوزان الخطيب: نواجه مشكلة الموقع الجغرافي لمؤسستنا مما يضطرنا لنقل المعوقين في باص مخصص، والآن الباص معطل ما يعني عدم قدرة المعوقين المجيء لمعالجتهم، وخصوصاً أن الكثير منهم لا يملك أجرة نقل للوصول إلى هنا. وعن عدد الذين يستفيدون من العلاج توضح الخطيب: فريق عملنا مكون من أربعة أشخاص وكل شخص يعالج أربعة أشخاص يومياً بعض المرضى بحاجة إلى يومي علاج والبعض الآخر إلى 3 أيام علاج. والآن نحن في بحث عن وسيلة نقل نؤمنها لنقل المعوقين.

امكانات ضعيفة

ويقدم مركز التأهيل المجتمعي علاجاً إلى نحو 300 طفل معوق، وعن ذلك تقول مسؤولة المركز لطيفة الصالح: إننا نعالج الأطفال فيزيائياً انشغالياً ونطقياً، لكن الوضع الأمني في المخيم يقف عائقاً أمام التقديمات لأن أي اشتباك يمنع الأهالي من القدوم وأطفالهم إلى المركز. كما أننا نواجه عجزاً في التمويل وخصوصاً بعد تراجع المساعدات الأوروبية، ولم نعد بمقدورنا تأمين الأجهزة والحفاضات والاحتياجات الأخرى للأطفال. وعن أنواع الإعاقات التي يعالجها المركز توضح الصالح: إننا نعالج ذوي إعاقات متعددة مثل شلل نصفي – دماغي، توحد، تأخر عقلي بدرجة عادية، تشوه خلقي وتقوس القدمين.

وعن مستقبل العمل في وسط المعوقين، يشرح د. الصالح قائلاً: أنشأت هيئة الإعاقة عام 1997 وتضم 15 جمعية تتابع أوضاع المعوقين، ولدينا خطة 2017 – 2019 ضمنها خمسة مشاريع وُعدنا بتمويلها كاملة، والمشاريع المقترحة تسعى إلى تطوير المؤسسات وتمكين فرق عملها لتكتسب مزيداً من الكفاءة وكيفية التعامل بين المعوقين وبيئتهم. كما نسعى إلى تسليط الضوء على حاجات المعوقين ومعاناتهم، وتطوير قدراتهم من خلال حملات مناصرة. وتضيف: ونحاول دخول مجال الصحة النفسية وهذا مجاله واسع جداً وبحاجة إلى موازنات كبيرة.

شؤون 166

وعن العوائق التي تواجه عمل الهيئة مع الفئة المستهدفة، يوضح د. الصالح: أهم عائق عجزنا عن تقديم كامل الخدمة الشاملة المطلوبة، مثلاً عجز عن تأمين العدد الكافي من الكراسي المتحركة، أكياس بول، أو عدم وجود مدارس مجهزة لدخول المعوقين. كذلك نواجه مشكلة عدم وجود معالجين فلسطينيين في مجالات عدة مما يضطرنا أحياناً الاستعاضة باختصاصيين لبنانيين، بعضهم يرفض الدخول إلى المخيم بسبب الأوضاع السائدة.

اقرأ أيضاً: من مخيم عين الحلوة الى أوروبا: عندما يتحول حلم الهجرة الى كابوس..

ويضيف: كذلك لا بد الإضاءة على القدرة الاستيعابية إذ أننا لا نستطيع أن نلبي كامل العدد من الفئة المستهدفة. وفي علاج التدخل المبكر تجد لائحة انتظار طويلة. كما نواجه مشكلة معالجة النطق، إذ على المريض أن يأخذ 3 جلسات كحد أدنى وأحياناً نضطر إعطائه جلستين فقط مما يؤخر علاجه، وهذا المجال مكلف جداً. يشرح د. الصالح الإمكانات المتوفرة في مجال الإعاقات الذهنية: في مجال الإعاقات الذهنية هناك أربع مراحل: بسيط، متوسط، شديد، وشديد جداً، نحن نستطيع معالجة المرحلتين الأولتين في حين أن المرحلتين الأخيرتين بحاجة إلى إمكانات دولة لا نملكها.

على الرغم من عدد المعوقين في مخيم عين الحلوة ومنطقته مرتفعة مقارنة مع المناطق الأخرى فإن وضع المخيم يزيد من تعقيدات وعوائق تقديم الخدمة لهذه الفئة وتؤخر عملية اندماجها في مجتمعها المحلي.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 166 شتاء 2018)

السابق
العثور على جثة شخص مجهول الهوية
التالي
القوات اللبنانية: العقدة النفسية الوهمية وفرصة بناء الدولة