تركت حق العودة لك ولأصحابك

اللاجئون الفلسطينيون
تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة نزاعاً شديداً بين الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقهم في الحياة والوجود، وبين السلطات الإسرائيلية المحتلة و"المستوطنين" الساعين لتحويل "إسرائيل" إلى دولة يهودية، ما يعرض العرب المقيمين على أراضيها إلى الترحيل، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين نهائياً حسب القرار الأممي 194.

من جهة أخرى تتسارع خطوات وكالة الأونروا بخفض تقديماتها للاجئين الفلسطينيين باتجاه يوحي بوارد وقف الخدمات تحت حجة غياب التمويل اللازم.

قالت لي لوتس في اتصال هاتفي من أحد البلدان الأوروبية: “تركت حق العودة لك ولأصحابك”. ولوتس صبية فلسطينية لجأ أهلها عام 1948 من إحدى قرى صفد إلى مخيم اليرموك في سورية، حيث ولدت وترعرعت هناك قبل أن تجرب اللجوء بنفسها عام 2012، بعد أن قصفت طائرات النظام السوري مخيم اليرموك في 16/12/2012 في حادثة عرفت بحادثة الميغ.

اقرأ أيضاً: معوقو عين الحلوة: نضال مستمر لتحصيل الحقوق

في لبنان حاولت العثور على أي عمل يؤمن لها دخلاً يسمح لها بالحياة الكريمة. لكن الأبواب كانت موصدة بوجهها، الأونروا قطعت مساعداتها عن الفلسطينيين المهجرين من سورية. الإقامات القانونية لهم تخضع لمزاجية السلطات المعنية، باتت لوتس معرضة للتوقيف والاعتقال لعدم تجديد إقامتها. كلما وجدت عملاً كان أحد شروطه التحرش الجنسي. ما اضطرها لأخذ قرار بالهجرة غير القانونية. بعد 34 يوماً وصلت إلى أحد البلدان الأوروبية، اتصلت تخبرني كيف يتعاطون ويتعاملون معها بصفتها إنساناً لها الحق في الحياة.

قلت لها: لا تنسي يوماً أنك فلسطينية. أجابت: “لن أنسى أبداً ولن أنكر هويتي، وأن وطني الوحيد هو فلسطين، لكنهم دفعونا إلى مكان لا نعد نفكر سوى بحقنا في الحياة”.

مباشرة أجبتها، وحق العودة. ردت بدون تفكير: “تركته لك ولأصحابك بعد أن تحول إلى خطاب أيديولوجي لا بنية اجتماعية حاضنة له”.

فماذا حصل مع حق العودة؟

عام 2000 زار المنطقة العربية وفد من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني ضم أعضاء من الأحزاب البريطانية الأساسية: العمال، المحافظون والأحرار، والتقى فلسطينيين من مختلف الأماكن، بعد الزيارة أصدر الوفد كتيّباً أسماه “حق العودة”، يقول فيه أنه في تلك الزيارة لمس الوفد أن المطلب الأساس لدى اللاجئين الفلسطينيين هو حقهم بالعودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم.

يوم اجتمعت إلى الوفد البريطاني في صيدا نظرت إلى الموضوع من جانب إيجابي، ورأيت في زيارتهم محاولة لتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته المملكة المتحدة بإعطائها وعد بلفور. لكن المملكة المتحدة تحتفل هذه الأيام بالذكرى المئوية للوعد المذكور.

وفي عام 2002 رفض الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التنازل عن حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم في كامب دايفيد، بعدها حوصر وقتل مسموماً.

ماذا حصل في العراق؟

عام 2003 احتل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية العراق، وحلت قيادة التحالف الجيش العراقي، وعاد العراقيون إلى مكوناتهم الأولية، إلى سنة وشيعة وأكراد، هذه المكونات رفضت اللاجئين الفلسطينيين كلاجئين لهم خطابهم الوطني وأهدافهم الوطنية، وألقت بهم عند الحدود مع سورية، التي رفضت دخولهم إلى أراضيها، بقوا هناك أشهراً قبل أن تنقلهم مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة إلى بلدان في أميركا اللاتينية وخصوصاً البرازيل. وبالتالي تفككت مجموعة بشرية كانت ترى بحق العودة أملها الوحيد للحصول على مواطنة حقة وعلى وطن.

الآن تحول أملهم إلى حلم، من الصعب تحقيقه سوى بزيارة وطنهم فلسطين بعد حصولهم على جنسية البلد الذي استوطنوه.

شؤون 166

في سورية:

وفي سورية، وبعد انفجار الوضع عام 2011، حاول الفلسطينيون البقاء خارج النزاع، إذ لا مصلحة لهم بالوقوف إلى أحد جانبيه، لكن النظام السوري ومن خلال المنظمات الفلسطينية الملتحقة به أدخلهم في النزاع وحول المخيمات إلى مساحات تقصف وتدمر ويهجر أهلها من جهة أخرى لجأت مجموعات متطرفة إلى المخيمات ولعبت دوراً في تهجير أهلها.

نحو 80% من اللاجئين الفلسطينيين نزحوا من أماكن سكنهم الأصلية، وتبعثروا ليعيش قسم منهم في مناطق سيطرة النظام السوري وقسم آخر في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة. النظام يريدهم أتباعاً لنظامه ينفذون خططه ومخططاته، والمعارضة ترفضهم كفلسطينيين لهم خطابهم الوطني وهدفهم الوطني بالعودة. وترضى بهم رعايا مسلمين لا أهداف وطنية لهم سوى خدمة الخلافة الإسلامية في يومها، كما تدعى المعارضة المسلحة، أي أن من بقي في الكيان السوري لم يعد بإمكانه التعبير عن خطابه الوطني المستقل ولم يعد مطلب العودة مطلبه الأساس بل تحول مطلبه الأساس، إيجاد مكان آمن يستطيع أن يعيش منه.

نحو 80 ألف فلسطيني كان مقيماً في سورية لجأ إلى لبنان بعد عام 2012. بقي منهم حالياً نحو 15 ألف لاجئ فلسطيني حسب مصادر لجنة متابعة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سورية، قسم منهم فضّل العودة إلى سورية والبقاء هناك تحت سيطرة السلطات المتنازعة بديلاً من العيش في هذا السجن المسمى لبنان. لا إقامات قانونية، لا إمكانية للعمل، لا مساعدات دولية، معظم المساعدات تقدم للاجئين السوريين وإغفال الفلسطينيين منهم، منظمة التحرير الفلسطينية تقدم قطرات من المساعدات ليس إلا. لا رعاية قانونية لهم ولا وجود قانوني لهم، كل هذه الظروف دفعت القسم الأكبر إلى الهجرة غير القانونية عبر البحار، ودفع كلفة باهظة ثمناً لذلك، المئات قتلوا أو فقدوا في البحار ومنهم من وصل إلى ما ينظرون إليه أنه فردوس، لكنهم يعلقون: مهما كانت ظروفنا صعبة، لكننا نضمن هنا حقنا الطبيعي في الحياة.

هجرتهم غير القانونية تؤشر وكأن هناك دفعاً معيناً لترحيلهم من هذه المنطقة ليفتشوا عن مكان آمن لإكمال حياتهم وينسيهم حقهم بالعودة إلى بلدهم الأصلي فلسطين.

أما في لبنان…

في لبنان، زارني أحد الطلاب الفرنسيين عام 2003 الذي كان يعد أطروحته حول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. في نهاية الزيارة قال: أن جميع من اجتمعت بهم، كان مطلبهم حق العودة إلى فلسطين، يبدو وكأنك قد لقنتهم درساً بذلك.

نفيت هذه التهمة وقلت: هذا هو شعور الفلسطينيين الفعلي. عاد الطالب الفرنسي إلى لبنان عام 2009، وطلب مني مقابلة بعض من قابلهم سابقاً. وسألهم من هدفهم، أخبروه أنهم يريدون مكاناً آمناً يعيشون فيه بكرامة. لم يذكر أحد منهم حق العودة إلى فلسطين.

القصة بدأت عام 1982، عندما نفذت أطراف لبنانية برعاية إسرائيلية مجزرة صبرا وشاتيلا برمزية تقول للاجئين أن لا مكان لكم هنا في لبنان ولا حل سوى الرحيل في هجرة جديدة.

اقرأ أيضاً: العلاقة بين عين الحلوة ومحيطه: علاقات تجارية ومصاهرة

وعام 1985 حصلت حرب المخيمات من خلال أطراف لبنانية وبرعاية سورية هذه المرة. والهدف واحد التهجير والترحيل نحو الغرب.

يقال حالياً أن في السويد والدانمارك وألمانيا أحياء تسمى بأسماء صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، لأنها تحوي أعداداً كبيرة من أهالي هذه المخيمات، وقد تركوها بعد هذه الحروب أملاً في وجود أماكن آمنة ليكملوا حياتهم. واليوم تزدهر الهجرة غير القانونية ولا يشارك فيها الفلسطينيون القادمون من سورية فحسب بل أيضاً فلسطينيو لبنان يشارك بعضهم باع منزله في شاتيلا وآخر باع ممتلكاته في البداوي عله يحصل على فرصة للهجرة من لبنان إلى مكان آمن. والوضع يزداد سوءاً بعد قرارات الأونروا بخفض تقديماتها الصحية والتي أدت إلى وفاة عدد من اللاجئين على أبواب المستشفيات ومنهم: حسن السعيد، عائشة النايف، فيصل موح وسليم بركة حسب تقرير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد).

كل هذه الوقائع تؤشر إلى أن حق العودة إلى فلسطين قد فقد حاضنته الاجتماعية وأن أي استطلاع رأي محايد سيحصل على نتيجة أن ما يريده الفلسطينيون هو الحصول على حقهم في الحياة، وبعدها يفكرون بأهداف أخرى. ومنهم من يقول كما قالت لوتس أن حق العودة تحول إلى خطاب أيديولوجي يروجه البعض ولا يسعى إلى العمل لتنفيذه، وأن الخطوة الأولى لذلك أشعار اللاجئ الفلسطيني أنه مواطن له حقوقه الإنسانية الطبيعية.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 166 شتاء 2018)

السابق
حنا غريب: القانون النسبي الحالي كرّس الطائفية
التالي
الوزير باسيل ينفي ما قاله عن حزب الله!