مَن «سيُلغي» مَن أولاً: عون أم بري؟

احمد عياش

أزمة تعديل قانون الانتخابات التي بقيت عالقة بالرغم من محاولات رئيس مجلس الوزراء في الساعات الماضية لإيجاد مخرج لها,وقبل ذلك أزمة مرسوم ترقيات الضباط التي ذهبت الى غياهب التجاهل,تمثلان أحد جوانب أزمة العلاقات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الناب نبيه بري.وهذه الازمة لن تنتهي إلا بخروج أحدهما من حلبة الحكم ما يشكل فوزا لمن سيبقى في سدة المسؤولية الامر الذي يجعل لبنان في دائرة حرب إلغاء جديدة لا نهاية لها إلا بالحسم ,كما يرى المتابعون لخفاياها. في المدى المنظور,تقول اوساط وزارية ل”النهار” ان الرئيس عون الذي يحتفظ في سجلاته حروب سياسية وأمنية منذ أمد بعيد ,يضيف اليها اليوم حربا جديدة مع الرئيس بري.

ومن المتوقع ان تستمر هذه الحرب حتى الانتخابات النيابية في أيار المقبل والتي ستكون محطة لإظهار ميزان القوى الداخلي للمرة الاولى من وصول عون الى قصر بعبدا وكذلك للمرة الاولى منذ إجراء آخر إنتخابات برلمانية عام 2009 ما سمح لبري أن يحتفظ برئاسة المجلس منذ العام 1992 أي منذ 26 عاما وهي الفترة الاطول في تاريخ لبنان التي يحظى بها مسؤول في البقاء في منصب رفيع.

ودعت هذه الاوساط الى الانتباه الى ان عون الذي كان يستخدم تقليديا الزعيم السني هدفا لمقارعته كي يشدّ عصب جمهوره,وهذا ما حصل لفترة طويلة مع سعد الحريري، تبدلت الرياح وصار الهدف اليوم هو بري الذي هو زعيم شيعي لكنه ليس الابرز كما هو حال عون مارونيا والحريري سنيا وذلك لوجود الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي يتبوأ صدارة الزعامة الشيعية في لبنان من دون منازع. هل بإمكان عون أن يحقق مراده في هذه الحرب الجديدة التي تدور رحاها مع زعيم ينتمي الى طائفة تهيّمن على الواقع اللبناني سياسيا وأمنيا؟بالطبع,ليس هناك من جواب حاسم يحمل في طياته معطى إيجابيا لمصلحة رئيس الجمهورية.وهناك إعتبارات عدة ليست في مصلحة صاحب العهد إذا ما أخذنا البعد الاقليمي لهذه المواجهة بين الرجليّن.وآخر تجليات هذا البعد الحفاوة التي حظيّ بها بري في طهران عندما زارها أخيرا للمشاركة في مؤتمر إتحاد برلمانات دول منظمة التعاون الاسلامي .فتحت عنوان “لبنان أصبح مفخرة للمنطقة في ظل مواقف حركة أمل وحزب الله” نقلت وكالة (إسنا) الايرانية في 17 الجاري ما قاله مستشار قائد الثورة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي خلال لقاء جمعه بالرئيس بري الاخير له “دور مهم للغاية في إقامة لبنان جديد…”

في مقابل هذا الحساب الايراني الذي له تأثير مهم في لبنان ,لا يتصرف “حزب الله” على أساس انه صاحب تأثير حاسم عندما يتعامل مع حليفيّن كبيريّن هما عون وبري.ففي 8 تشرين الماضي وخلال كلمة لنصرالله رد فيها على الاتهامات الاميركية قال:”… فخامة الرئيس ميشال عون هو ليس عميل لحزب الله قطعاً، ودائماً كانت العلاقات هي علاقة ندية وصادقة وتفهم وحوار ونقاش وتلاقي، ويمكن أن نختلف في بعض الملفات…”.

إقرأ ايضًا: دائرة صيدا جزين: الكل يفوز بالنسبية ولا يحتكر المقاعد

من المؤكد ان هناك الكثير من الصداع الذي سيعاني منه المنتمون الى منظمة “الاخوة الاعداء”.وهناك شظايا من هذا الصداع وصل في الايام الماضية الى حلبة الحريري عندما رد قصر بعبدا مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي رفعه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ممهورا بتوقيعه.وجاء الرد على خلفية عدم وجود توقيع وزير الخارجية جبران باسيل على المرسوم لإنه يتعلق بإنتخاب المغتربين. لكن, وبعد مراجعة الجهات القضائية المختصة تبيّن ان لا حاجة لتوقيع باسيل ما سمح بإصدار المرسوم. لكن وزير الخارجية أبلغ وزير الداخلية لاحقا انه لن يكون معنيا بعمليات الاقتراع خارج لبنان فرد المشنوق رافضا لإن هناك حاجة الى نحو 125 مراقبا في مراكز الاقتراع خارج لبنان وهؤلاء يجب ان يتوافروا من بعثات لبنان الديبلوماسية وليس بإنتدابهم من لبنان الى الخارج.وليس معلوما ما هو جواب باسيل النهائي على هذا الصعيد. من المعلوم ان هناك رئيسا جديدا للبرلمان بعد إجراء الانتخابات النيابية سواء أكان هذا الرئيس هو بري(كما هو مرجح) أو سواه.وفي هذا المجال لم ينس عون الذي سيستمر في رئاسة الجمهورية حتى خريف عام 2022 أن رئيس المجلس الحالي أظهر الكثير من اللاود في جلسة إنتخابه.

وفي كتابه “ميشال عون ما به أؤمن” سجّل رئيس الجمهورية بصورة غير مباشرة كيف أدار رئيس المجلس الجلسة: “…أدركت على الفور أن هناك محاولة لتطيير النصاب…طلبت من جمبع نواب “التيّار” الاحتفاظ بهدوئهم ,وعدم الرد على أي إستفزاز.” ما دوّنه عون في الكتاب أظهره في الممارسة منذ إنتخابه وهو ما تجلّى في المواجهة المستمرة بين الرئاستيّن الاولى والثانية على مرسوم الترقيات وعلى تعديل قانون الانتخاب.

مع الاخذ بالاعتبار ان الرجليّن في مرحلة الثمانينات من العمر,فلم يعد هناك الكثير من الوقت لكي يطول هذا النزاع مع فارق ان عون يضع ثقله في صهره وزير الخارجية لكي يواصل حمل مشعله بينما يبدو بري بلا وريث. وهذا الواقع يعتبره المتابعون لهذا الموضوع لمصلحة عون الذي يتصرف مع “حزب الله” على قاعدة:”عرف الحبيب مقامه فتدللا”.

ويمكن القول: ان هناك ذهنية “حرب إلغاء” تحكم سلوك رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب لا يبدو ان هناك نهاية لها إلا بظهور نتائجها إستنادا الى الاعمار “بعد عمر طويل”!

السابق
زيارة عون الى الكويت: لاستئناف المساعدات الخليجية الى لبنان
التالي
جمهور المقاومة يتهم الحليف البرتقالي بالعمالة ويصفه بـ #تيار_التطبيع