جريمة تهريب المهاجرين عبر الحدود السورية – اللبنانية في القانون الدولي

منذ اندلاع الأزمة السورية منتصف اذار عام ٢٠١١، ‎أصبح لبنان مقصداً و معبراً وطريقاً مهماً ورئيسياً لهروب الافراد والعائلات السورية من اتون النزاع المسلح الدائر هناك حيث نشطت عصابات الجريمة المنظمة التي تشرف وتقوم بعمليات نقل وتنقيل وتهريب الأشخاص الى لبنان ليقرروا بعدها اما اكمال طريقهم الى أوروبا عبر تركيا فطريق البلقان او يفضلوا البقاء في لبنان.

إنّ المشكلة القائمة اعلاه ليست حول الهجرة بحد ذاتها لأنها تعد في بعض الحالات شكلا من اشكال الوصول الى حق التنقل والسكن والتي عبرت عنها الإرادة الدولية بالوصف ” لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة كما و يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها” المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 وهو نص ذا طابع أخلاقي او “لكل فرد حرية التنقل واختيار مكان سكناه في أي مكان في نطاق الدولة التي يتواجد فيها بشكل شرعي كما يحق لأي فرد أن يغادر أية دولة بحرية بما في ذلك دولته هو” المادة 12 منّ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وهو نص قانوني ملزم وهذا ما يستند اليه المدافعون عن حقوق الانسان في الدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين ، لكن المشكلة تتمحور حول اتباع وسائل وطرق واليات غير قانونية تقوم بها وتنفذها وتخطط وتهيء وتعد لها شبكات وعصابات متخصصة تمتلك الموارد والخبرات والدراية بنقل وتهريب المهاجرين بالسر فتعرض حياتهم للمخاطر هذا كله يسير جنباً الى جنب مع سلسلة جرائم أخرى تنفذ بسياق هذه النشاطات مثل الاستغلال الجنسي والرشوة وتجارة الممنوعات كالمخدرات والتزوير وحتى تجارة السلاح السوداء لتمتد الى الاتجار بالأعضاء البشرية والتي غالبا ما تصاحبها جرائم قتل عمدية وقد تتخذ سقفا اعلى من خلال تمويل وتدعيم صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة ، من هنا يتضح لنا حجم الخطورة الذي يكمن وراء هذه الجريمة بالغة الخطورة .
‎ وسط هذا كله ينقسم المتابعين والفاعلين سواء من أصحاب العلاقة او أصحاب المصلحة بين اتجاهين اتجاه ينظر الى انها قضية إنسانية يجب ان ينظر لها من منظار انساني واتجاه اخر ينظر لكل ما يترتب عليها من اثار مدمرة على المستويات الأمنية والاجتماعية و السيادية للدول ، وفي الحقيقة ان زاوية النظر لهذه المسألة من كلا الاتجاهين صحيحة فالهجرة بقصد الحصول على الملاذ الامن لا خلاف قانوني عليها انما الخلاف والتجريم على اليات ممارستها .
‎ ان النظرة القاصرة لمفهوم الهجرة غير الشرعية وخلط المفهوم بجريمة تهريب المهاجرين من جهة و اللجوء من جهة أخرى ساعد كثيرا بالحد من عدم التمكن من وضع سياسات تنطوي على إجراءات فاعلة لمواجهة هذه الجريمة ولبيان الفارق أولا فأن الهجرة عرفتها المنظمة الدواية للهجرة ب ” تنقل شخص أو مجموعة أشخاص سواء بين البلدان أو داخل نفس البلد بين مكانين فوق ترابه، و يشمل مفهوم الهجرة جميع أنواع ” تنقلات الأشخاص بتغيير محل الإقامة المعتاد أيا كان السبب والتركيبة ومدتها ” اما المدلول القانوني للتعريف فهو “مغادرة حدود دولة والدخول بحدود دولة أخرى “اما جريمة تهريب المهاجرين تتكون من جزئيين تهريب ومهاجرين فالتهريب قانونا هو “انتهاك لأحكام قانونية أو تنظيمية متعلقة بحيازة السلع و نقلها داخل الحرم الجمركي” او “نوع من التعديات التي يقوم بها الاشخاص على القيود التي تضعها الدولة على حدودها الرسمية” وهنا تتعدد صور التهريب بين البشر والمخدرات والسلع والأسلحة وغيرها والمهاجرين يمكن اشتقاقه من تعريف الهجرة باستخدام ضمير الفاعل من هنا يتضح لنا تعريف محدد لجريمة تهريب المهاجرين كما ورد في البروتوكول الملحق الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر البحر الجو “والمكمل ل “اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ” المادة ( 3 – أ ) والتي تنص على “يقصد بتعبير تهريب المهاجرين تدبير الدخول غير المشروع لأحد الأشخاص إلى دولة طرف ليس ذلك الشخص من مواطنيها أو من المقيمين الدائمين فيها وذلك من أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية او منفعة مادية أخرى ” يلاحظ ان البروتوكول لم يقل مكافحة الهجرة بل حددها بتهريب المهاجرين ورسم له سياق محدد عرفه “بتدبير” اما اللجوء فقد عرفته المنظمة الدولية للهجرة على أنه:” كل شخص يوجد بسبب خوف له يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العرق او الدين او الجنسية او انتمائه لفئة اجتماعية معينة او آرائه السياسية خارج بلد جنسيته ولايستطيع اولايريد بسبب الخوف ان يستظل بحماية ذلك البلد ” وهذا التعريف وفق اتفاقية وضع اللاجئين 1951.

إقرأ أيضاً: «لميس السورية» ضحية جديدة لمافيا التهريب

‎مما تقدم ذكره نخلص الى ان الهجرة الغير مشروعة هي الانتقال من دولة الى أخرى دون تأشيرة او إجراءات قانونية بينما التهريب هو تدبير دخول او خروج غير مشروع لإقليم دولة ما قد يشمل اللاجئين أيضا وهذا ما يلاحظ وينطبق على الحالة بين لبنان وسوريا
‎ وجريمة تهريب المهاجرين جريمة مثلها مثل كل الجرائم لها خصائص تميزها عن الجرائم الأخرى خصوصا التي تتشابه معها نظرا للسياق المعقد الذي يتم ارتكابها فيه مثل جريمة الاتجار بالبشر الا ان هذه الخصائص هي ما يميزها وهي :
‎-1 جريمة واقعة على الأشخاص وليس الأموال فالأشخاص هم من يتعرض للخطر المحدق بعبورهم الحدود الملغمة او المحمية او من يتعرضون للضياع او تقتلهم الظروف الجوية والحيوانات المفترسة.
‎2- جريمة عمدية مستمرة وتتضح انها عمدية من خلال قيامهم بأنشاء معاملات تجارية بعرض هذه الخدمات يقابلها طلب من الذين يرغبون بالهجرة واما مستمرة فهو ان الوقت الذي يستغرقه الفاعل بالأعداد والتخطيط لجريمة التهريب طويل نسبياً.
‎3- عالمية وهذا واضح لأنها تمثل اعتداءا على سيادة الدول وتنطوي على جرائم من قبيل الاتجار بالبشر والمخدرات او تمكن الأشخاص الحاملين للأمراض الخطيرة المعدية من الانتقال من إقليم لأخر وهذا ما يقصد به بعالمية الاختصاص الجنائي .
‎4 -منظمة وهذا عامل خطير جدا لما بلغته من سرعة ودقة بنقل وتنقيل الأشخاص بين عدة دول متعددة.

إقرأ أيضاً: قصة 13 شخصاً هربوا من الموت فقتلتهم طرقات التهريب بين سوريا ولبنان!

أمّا مخاطر جريمة تهريب المهاجرين فتتنوع وتختلف واحيانا من منطقة لأخرى الا انها اجمالا وفق تقارير حراس الاتحاد الأوروبي الفرونتكس فقد حددوا مخاطرا وفق اطر معينة وبثلاث اتجاهات وهي تهديد امن وسيادة الدول و تهديد الجانبين الاجتماعي والاقتصادي لكل الدول التي تكون خطا لهذه الجريمة من البلد الأصل وصولا الى بلد القصد او ما بين دولتين اذا كان التهريب لأجل أغراض أخرى، اما الاتجاه الأخير فهو الخطر على سلامة وحياة الأشخاص الضحايا كما حدث قبل يومين للضحايا الذين تركوا يتجمدون بردا على الحدود الشرقية اللبنانية السورية من قبل المهربين .
‎ مما تقدم ذكره أصبحت جريمة تهريب المهاجرين، في الأونة الأخيرة مشكلة إجرامية شاملة تستدعي تحرك المجتمع الدولي لمعالجة كافة أسبابها وعلى ثلاث مستويات الدولي، الإقليمي، الوطني وملاحقة المهربين واعداد تعاريف وقوانيين اكثر حداثة وبعد وتركيز لكي تكون الأهداف مشخصة بشكل اكبر مما يمنع الخلط بينها وبين الجرائم المنظمة الأخرى .

السابق
صور سيارة أحمد الحريري أثناء احتراقها.. والسبب؟!
التالي
توضيح من طارق نهاد ذبيان..