حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية (1)

لا تزال رواية حزب الله حول أسباب مشاركته في الحرب السورية ودوره الفعلي هناك حتى اليوم غير متسقة وتتناقض مع بعض قيمه المعلنة ومع عدد من الوقائع والحقائق الواضحة في المسألة السورية، فبالاعتماد على ما يقدمه الإعلام (حتى المؤيد) والمصادر الحقوقية السورية والدولية والنخب المؤيدة لحزب الله فلا شكوك في الحزب حول “استبداد” نظام الرئيس بشار الأسد ولا حول ممارسته لـ”القتل” ضد الشعب السوري (بغضِّ النظر عن طريقة الصياغة)، وهي من الممارسات التي يرفضها حزب الله في أدبياته حتى اليوم، ولا نقاش حول حق الشعب السوري في الإصلاح والديمقراطية، وهي من مطالب حزب الله سياسة واعتقادًا كما يُعلِن.

وبالمقابل، يقف حزب الله مع الأسد وقد اتَّهم كل خصم له في الحرب السورية أو للنظام بأنه ضد “المقاومة”، وقدَّم خلال مراحل الحرب وعبر إعلامه مبررات عدَّة لتدخله العسكري في سوريا وجميعها كانت قابلة للتوظيف -بغضِّ النظر عن تعمده ذلك أم لا؛ فهي حرب ضد الإرهاب في مخاطبته للغربيين، وضد التكفيريين في مخاطبته للعرب والمسلمين، ولحماية الحدود في خطابه إلى اللبنانيين، وهكذا دواليك. وهدفها بنهاية المطاف تحقيق أهداف حزب الله وراعيه الإقليمي إيران (مهما كانت، ومع أيَّة جهة)، بمقاتلين “شيعة من أكثر من بلد” وبشعارات مذهبية طرحت تساؤلات عدة، من أبرزها:

ما الأسباب الحقيقية لتدخل حزب الله في الحرب السورية كما يراها هو بالفعل ومن ورائه إيران؟ وهل كانت الحرب السورية محطة تحوُّل في حزب الله نحو مذهبية متشددة، بدفع من قيادته الحالية المحلية والإقليمية أم إنها (المذهبية المتشددة) خطاب للمرحلة فحسب؟ وإلى أين سيمضي حزب الله في الحرب السورية لاسيما أن عليه أن يتعايش مع محيطه العربي والإسلامي الذي يمتاز بأغلبية سُنِّية؟

إقرأ أيضاً: بين نيران عدوّة ونيران صديقة: حزب الله ينزف في سوريا

هذا مما تحاول الورقة الوقوف عليه أو اختباره مع التركيز على تقصي مبررات وظروف تدخل حزب الله العسكري في الحرب السورية، كما يرويها بعض المسؤولين فيه أو باحثون من بيئته. ويجب التنويه إلى أن هذه الرواية التي تقدمها الورقة ليست الرسمية أو المعتمدة لدى الحزب، ولا يمكن الجزم بأنه يملك رواية واحدة مغلقة ومنجزة، ولكن هي السائدة عمليًّا والفاعلة راهنًا كما أدركها الباحث. ومن حيث المضمون، قد لا يتجاوز أكثرها سقف خطابات أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، لكنها تحسم أقوالًا كانت تكهنات، وهي أوضح تعبيرًا وأكثر تفاعلية لأنها جاءت في سياق حوارات أجراها الباحث مع المعنيين، في رحلة بحثية إلى لبنان قادته إلى بيروت والضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، ووثَّقها من مصادر أخرى حيث دعت الحاجة، كما اختبرها وقابلها برواية معنيين أو معارضين أو باحثين منتقدين لحزب الله من نفس بيئته المذهبية، أي الشيعية، وخارجها.

أما الشخصيات المشار إليها التي تُشكِّل مجتمع الدراسة (مع الإشارة إلى وجود آخرين ولم يُشَرْ إليهم بناء على طلبهم)؛ فهي:

الدكتور علي فياض، وهو نائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني(1).
الأستاذ قاسم قصير، وهو صحافي يوصف بأنه مقرب من حزب الله(2).
الدكتور طلال عتريسي، وهو أكاديمي وباحث من بيئة حزب الله(3).
الشيخ شفيق جرادي، ويمثِّل رأيًا في الجهاز الديني لحزب الله مع التنويه باستقلال رأيه كما يحب أن يؤكد(4).
كما أجرى الباحث مقابلة مع الأستاذ، علي الأمين(5)، مدير موقع جنوبية وهو من إحدى العائلات الشيعية المعروفة دينيًّا وثقافيًّا ومعارض لحزب الله، وكذلك مع الدكتور، مهند الحاج علي(6)، باحث في معهد كارنيغي بيروت، واستعان بأفكارهما النقدية في مقاربة رواية حزب الله أو استفاد منها.

وسيُفرد الباحث الجزء الأول من الورقة لأسباب وطريقة تدخل الحزب في الحرب السورية تحت عنوانين، أحدهما يتعرض لرواية الحزب حول أسباب التدخل كما جاءت من مصادرها، أما الآخر فيعالج الكيفية التي جاء بها هذا التدخل والأهداف التي سعى إليها.

ويتعرض الجزء الثاني (الذي سيُنشر لاحقًا) للبُعد المذهبي للصراع الذي أصبح حزب الله جزءًا منه من الناحية الواقعية ورؤيته له؛ لأن البعد المذهبي أحد العوامل الحاسمة في توجهات حزب الله المستقبلية وعلاقته مع محيطه. وبالختام ستتحدث الورقة عن إمكانية مراجعة حزب الله لتدخله العسكري في سوريا فضلًا عن سيناريوهات انسحابه من عدمها من الأزمة السورية بالنظر إلى تداعيات التأثير المذهبي المتصاعد.

وتجدر الإشارة إلى أن الباحث اعتمد مصطلح “التدخل العسكري” أو “التدخل السياسي” لحزب الله كتعبير عن مستوى مشاركته في الأزمة السورية، لاسيما أنه أحد المتدخلين من بين عدة أطراف وفي ظروف حرب ملتبسة تلقي بظلالها حول شرعية تدخله سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية.

ولكن قبل ذلك جميعًا، سيضع الباحث بين يدي الورقة تمهيدًا حول تحولات سياسة حزب الله الإعلامية من حيث الانفتاح والتحفظ للتحكم بصورته الإعلامية والأيديولوجية في التعامل مع الإعلام ومراكز البحث، والتي لها تأثيرها على الرواية موضوع المعالجة، وما يجب أخذه بالاعتبار عند قراءة الرواية وما تسعى إليه من أهداف وغايات إذا وُجدت.

سياسة حزب الله الإعلامية
على الرغم من سعي حزب الله الدائم لتقديم إجابات على أي أسئلة تُطرح عليه دون أن يتركها معلقة لحماية صورته، فإنه على غير عادته السابقة التزم الحذر واعتمد وسائل تقليدية ومتحفظة (الخطاب الديني الأكثر تقليدية) للوصول إلى جمهوره وإقناعه بصحة خياره في سوريا، وذلك في خطوة معاكسة لما كان عليه الحزب سابقًا في سياسته الإعلامية والفكرية؛ إذ كانت أكثر تفاعلًا ووضوحًا ومعاصرة نسبيًّا، ويمكن في هذا السياق وقبل الخوض في رواية الحزب لحربه في سوريا، التمييز بين ثلاثة اتجاهات اعتمدها الحزب في هذا الصدد، وعلى مراحل زمنية متتالية:

المرحلة الأولى: وكانت أكثر انفتاحًا ووضوحًا؛ وذلك بعدما استقر دور حزب الله “كمقاومة” ضد إسرائيل في وعي كثير من الشعوب العربية والإسلامية خاصة بين عامي 2000 و2006، وكان يعطي قادته ومسؤوليه، بما لهم من قيادة طبيعية في المجتمع أو تنظيمية في الحزب، مساحة غير محددة غالبًا للتعبير واللقاء، سواء مع السياسيين أو الصحفيين والباحثين أو مع سواهم من المهتمين، والتحدث عن شؤون الحزب وشجونه وطموحاته. لا، بل أعطى المجتمع اللبناني والعربي والإسلامي مساحة واسعة لتشكيل رواية “المقاومة” بلغتهم الخاصة لاطمئنانه إلى تأييدها له، بل ربما كان بحاجة أحيانًا للتدخل للتخفيف من بعض المبالغات وإعطائها وجهًا محترفًا مراعاة للغرب ولم يكن بحاجة لبذل جهد في سبيل الترويج لها.

المرحلة الثانية: وهي متزامنة مع الأولى، أي منذ عام 2000 ولا تزال قائمة نوعًا ما حتى اليوم، وهي الرواية المتعلقة بدوره في لبنان، وكانت تأخذ منه جهدًا أكبر قبل أن تتضح بعض مفرداتها بعد عام 2006، ويحرص الحزب أن تكون مواقفه المتعلقة بدوره في الداخل اللبناني محصورة بالحزب وأجهزته، مع وجود هامش واضح لمؤيديه سواء من مؤيديه الشيعة أو سواهم من أطياف المجتمع اللبناني المحلي بطوائفه وتوجهاته (كقوى 8 آذار) كي يسهموا في صياغة هذه الرواية. لكنها في نهاية الأمر تصب في رواية الحزب الخاصة جدًّا، التي تقوم على ضرورة بناء الدولة “العادلة” و”القادرة” و”المجتمع المقاوم” لإسرائيل كمقدمة لتسليم حزب الله سلاحه وانخراطه بالدولة والخضوع المطلق لسلطانها، وإلا فإنه ماض فيما هو فيه.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تنشئ مجموعة من الجولانيين لمجابهة إيران وحزب الله بسوريا

المرحلة الثالثة: وبرزت بعد التدخل العسكري لحزب الله في سوريا، أصبح الحزب متشددًا في تقديم أي خبر أو رؤية تتعلق بأسباب تدخله هناك أو الغاية التي يسعى إليها، وأصبحت خطابات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، هي البنية الأساسية لأية رواية في هذا الشأن، وقد أخذت أجهزة الحزب تعمل على الاستنباط منها أو البناء عليها، مع وجود هامش لبعض أجهزة الحزب والشخصيات فيه للتعامل مع مقتضيات الظروف أو ما تستدعيه المرحلة لكنه هامش محدود جدًّا. وتشي هذه المرحلة بتقدم البُعد العسكري والأيديولوجي و”اللغة التراثية المذهبية”(7) في الترويج الإعلامي على ما سواه، فأصبح إعلام الحزب الحربي والديني أي المذهبي، بغرض التعبئة هو الأساس، وتراجع الحديث الفكري والسياسي وشخصياته التي كانت بالعادة ناشطة سواء من الحزب أو من بيئته.

وبرز مؤخرًا انفتاح تدريجي في حزب الله على هذا الصعيد، ولا يزال يتطور ولو ببطء بالتوازي مع تطورات الحرب السورية والأوضاع في الإقليم، أي بعد أن انتهت المعارك الكبرى في سوريا (ما خلا تلك المتعلقة بتنظيم الدولة نسبيًّا)، وبالتوازي أيضًا مع الحديث عن تزايد احتمالات حرب إسرائيلية على لبنان لاستهداف الحزب، ومع تصاعد الحديث عن استراتيجية أميركية لتحجيم الدور الإيراني في سوريا، فضلًا عن الأزمة الخليجية والتصعيد السعودي الأخير مع لبنان(8)، فهذا الانفتاح الإعلامي النسبي سمح لهذه الورقة بأن تقدم رواية عن حزب الله ولو بقدر، لتدخله في الحرب السورية وموضع المسألة المذهبية من ذلك جميعًا.

السابق
العثور على 10 جثث لسوريين في منطقة المصنع
التالي
رئيس جمعية غدي بحث مع زعرور شؤونا بيئية وانتخابية