إلى كل من يقول، دون حق، إن قدامى المستأجرين سكنوا شققهم 40 سنة شبه مجّان

الايجارات
في مقالة السيدة شيرين نعمة رداً على سماحة الشيخ محمد علي الحاج العاملي الذي دافع عن المستأجرين القدامى عموماً، وخصّ بالذكر الغبن الذي سوف يلحق بالطائفة الشيعيّة الكريمة، هناك بعض النقاط التي من الواجب إيضاحها والرد عليها، لأن أهميتها تكمن في أنها تمسّ وجود شريحة كبيرة من مواطني لبنان، وبالتالي لها آثارها السيئة على الكيان.

تقول السيدة شيرين نعمة: “لقد ظلمتنا الدولة يا فضيلة الشيخ منذ أربعين سنة بأن حرمتنا من حقنا بزيادات طبيعيّة على بدلات الإيجار لقاء خدمة الإيجار التي نؤديها لأخواننا المستأجرين”. وفي مكان آخر تقول :”… بعد أربعين سنة من الإقامة شبه المجانيّة في أقسامنا…”.
وللحقيقة والواقع نقول أن قسماً كبيراً من قدامى المستأجرين، تعود عقود إيجارهم إلى فترات تزيد على خمسين وستين سنة خلت. والزيادات على الإيجارات خلال كل تلك الحقبة أي من ستين سنة إلى اليوم، بما فيها الأربعين سنة التي ذكرتها المقالة، كانت تُبنى على أساس مؤشر المعيشة، والأخذ بعين الأعتبار الحد الأدنى للأجور. وكان، قبل تقرير هذه الزيادات، يُبحث في أمرها من اللجان البرلمانيّة بحثاً عميقاً، وبعد ذلك تُقرّ في البرلمانات المتعاقبة، وتصادق عليها الحكومات المتتالية.

اقرأ أيضاً: اسمع يا دولة الرئيس (18) : في مؤامرة تهجير الشيعة من بيروت!

فهل تريد السيدة شيرين القول، أن كافة هذه الهيئات من رجال فكر وقانون وعدل وعمل وطني، الذين أقرّوا كل الزيادات العادلة الماضية يوم ذاك، وقبل سنة 2014، كانوا على خطأ في ما قاموا به، وهم الذين رفعوا الوطن وجعلوا منه لبنان الإزدهار، لبنان السيادة، وقد لُقّب في تلك الحقبة، وعن جدارة وحق بِ “درّة الشرق”.
لقد دفع المستأجرون من منتصف القرن الماضي ولغاية سنة 2014، كل الإيجارات المعمول بها، والتي كانت تقرّها القوانين العادلة، وكذلك دفعوا، خلال هذه الفترة، الزيادات التي كانت تقرّها المجالس النيابيّة بحق وعدل، ووفق الدراسات الصحيحة عن مستوى المعيشة والغلاء اللاحق بها. فهل يجوز أن يقال، بعد ذلك، أن الإيجارات كانت شبه مجانيّة طيلة أربعين سنة؟ فعندما كان بعض المستأجرين يدفع ثلاثة آلاف ليرة لبنانية سنوياً، أو أربعة آلاف عن إيجار الشقة، كانت كلفة بناء الشقة لا تتجاوز عشرين الف ليرة لبنانية. وقد دفع المستأجرون مثل هذه المبالغ عشرات السنوات.
أما مشكلة الإيجارات التي يعاني منها اليوم قسم من صغار المالكين وعموم المستأجرين القدامى فتعود إلى الوقائع والعوامل التالية: بدءًا من منتصف سنة 1984 حدث تدنٍ مرعب في العملة الوطنيّة مقابل العملات الأجنبية، وخلال أربع أو خمس سنوات أصبح الفرق شاسعاً بين قيمة الليرة اللبنانيّة وقيمة الدولار(وبقية العملات الأجنبية). وغدا إيجار الشقة زهيداً مهما كانت قيمته في السابق نسبة الى ما وصلت إليه العملة اللبنانيّة من تدنٍ في القيمة. وفي سنة 1992، وفي محاولة لمعالجة هذه الإشكاليّة، أصدر المشترع قانوناً برقم 159/92 يحّرر بموجبه الإيجارات الجديدة، وقانوناً آخر برقم 160/92 يعالج فيه موضوع الإيجارات القديمة.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنّ خلال هذه الفترة أعداداً كبيرة من قدامى المستأجرين غادروا أرض الوطن أو غادروا الحياة؛ فاستردّ المالكون الشقق الخالية. بحيث أنّ ما يزيد على 80% من المالكين استفادوا من هذا الوضع وأجّروا شققهم وفق قانون الإيجارات الحرّ الجديد. وللتأكد ممّا نقول، زيارات ميدانيّة إلى مختلف هذه الأماكن تثبت صحة هذه الوقائع. وبقيت هذه الحالة إلى حين بدأ الصعود العامودي في قيمة العقارات بدءًا من سنة 2007 وخلال السنوات الثلاث التي تلت، ممّا أدّى إلى فارق كبير بين قيمة المأجور وقيمة إيجاره الذي أضحى زهيداً بالنسبة إلى الزيادة التي طرأت على ثمن المأجور، إذ تضاعفت قيمته بين 500% و 600% كما سنبيّن ذلك في ما يأتي:
الغلاء الجنوني في قيمة الشقق الذي حصل بين سنتين 2007 و 2010، لم يكن المستأجرون القدامى مسؤولين عنه. فمردّه ، وهذا رأي العديد من الخبراء في مجال الأقتصاد، إلى خطة قامت بها بعض الشركات العقارية، وربما عن غير قصد وإدراك انها ستلحق الدمار بقدامى المستأجرين، يدعمها بعض المتمولين وبعض رجال السياسة الذين تجمعهم المصالح مع هؤلاء المتموّلين، فاستغلوا فرصة حصول الغلاء العالمي في مواد البناء والذي قدّر يوم ذاك بِ 20% عمّا كان عليه قبل سنة 2007 لكي يرفعوا ثمن الشقق بشكل خيالي خلال السنوات الثلاث (2007 إلى 2010) حتى بلغ 500% و 600 % أي أنّ الشقة التي كان ثمنها ستين ألف دولار أو سبعين ألف دولار غدت تباع بثلاثماية ألف دولار وأكثر.
وهناك سبب هام وراء هذه الخطة وهذا الأرتفاع الجنوني في أسعار الشقق، والذي سعى إليه المتموّلون، وهو أنّهم حاولوا التعويض عن الخسائر في الأرباح التي لحقت بهم جرّاء أحداث العالم العربي بعد سنة 2003. فكانت خطتهم في رفع أسعار العقارات والشقق، التي أنتجت إفقار الطبقة الوسطى وهجرت الطبقة الفقيرة، لأنهما مضطران في تأمين الشقق لسكنهم من تقسيط ثمنها للمصارف. ورجال المال وبعض السياسيين هم من يمتلكون أسهم هذه المصارف، فيعوّضون بهذه الطريقة عن خسارتهم، أو بالحري عن تدني أرباحهم، التي فقدوها جرّاء أحداث العالم العربي.
فيظهر من خلال هذا العرض، أنّ مجريات الأمور التي ذكرناها أفادت المالكين القدامى بشكل فعلي، إذ أرتفع سعر البناية القديمة من مئتين أو ثلاثماية ألف دولار إلى مليونين أو ثلاثة ملايين دولار؛ بينما المستأجرون القدامى، دفعوا الأموال عن إيجار شققهم طيلة حياتهم، وقد حافظوا على هذه الشقق وعلى تجديد داخلها؛ واليوم مع تقدمهم في العمر ومعاناتهم الشيخوخة والمرض وعدم الدخل، هم مهدّدون بأن يُشرّدوا ليفترشوا الطرقات ويلتحفوا السماء، وإذا حالفهم الحظ ليهاجروا ويغادروا إلى الأبد أرض الوطن وما فيه من حنين وذكريات.
فالرجاء من صغار المالكين ان يطالبوا بحقهم من الدولة وليس من المستأجرين البائسين، وهم في عمر الشيخوخة والكهولة، لا دخل لهم، حتى ان أولادهم لا يتمكّنون من تسديد الإيجارات الجنونيّة عنهم، وهم شباب صاعد يحاول بناء ذاته بالجهد وبعرق الجبين، هذا إن وجد العمل. فكل الدول الديقراطيّة التي تحترم الإنسان تقوم بوضع سياسة إسكانيّة يستفيد منها من يطلب إليهم ترك أماكن سكنهم، فلا يُطرحون في الشارع أو يُهجرون خارج بلادهم.
ألا يكفي ما لحق بلبنان جرّاء الحرب بين الإخوة من سنة 1975 إلى سنة 1990، إذ هاجر خلالها عدد من السكان يناهز مليون ونصف المليون من المواطنين، وقد انتشروا في أرجاء المعمورة كافة؟ ألا يكفي ما لحق باللبنانيين من ضغوطات في المعيشة، من بطالة واضطرابات أمنيّة، منذ سنة 1990 ولغاية الآن، حملتهم أيضاً على الهجرة، وقد بلغ عددهم مئات الآلاف؟ أيعقل أن نعمد اليوم إلى تهجير ربع سكان لبنان، وهم من قدامى المستأجرين، بقانون يعجز المستأجر القديم عن القيام بموجباته، فيضطر إلى ترك المأجور ظلماً، ليتشرد لا سقف يحميه أو يهاجر في بلاد الله؟ ونتساءل من يستفيد من تفريغ لبنان سواء بالحرب، أم بالبطالة والغلاء وتضييق وسائل العيش، أو بقانون إيجارات ظالم تهجيري؟

اقرأ أيضاً: كيف نفهم قانون الايجارات الجديد؟

والمستأجرون القدامى يرفعون الصوت قائلين: حق أن تطالب الدولة بعودة المغتربين، ولكن عليها أيضاً أن تعمل على بقاء المواطنين من قدامى المستأجرين في أرضهم ووطنهم، وهم من ساهموا بإعمار البلد بعملهم اليوميّ، وقد دفعوا حياتهم وحياة أبنائهم زوداً عن الأرض والتربة، مضحين بذاتهم وبنيهم، وباذلين الغالي والرخيص لكي يبقى وطننا الحبيب لبنان سيّداً، حرّاً، مستقلاً.
كفانا العمل على تهديم الوطن. المطلوب هو وقفة ضمير، نعود فيها إلى تعديل قانون الإيجارات ليقوم على الإنصاف والعدل، فلا يُظلم فيه المالك ولا يُهجّر من جرّائه المستأجر؛ وفي هذا المجال نذكر بيتين من الشعر العاميّ، يتكلم فيهما الشاعر على بناء الأوطان، فيقول:
الإنسان هدفنا وآمالنا والعمل زينة رجالنا
بالعدالة بنبني الوطن وبالحق بنصون استقلالنا

(حركة المستأجرين في لبنان)

السابق
حزب سبعة: فتحنا باب تقديم طلبات الترشح لكل مواطن كفوء
التالي
رياض قبيسي يستقيل من الجديد.. وهذه وجهته!