استحقاق الانتخابات النيابية: التيار الديمقراطي امام اختبار استقلاله السياسي

بعدعدة ايام ستدعو وزارة الداخلية الهيئات الناخبة وفق المهل القانونية للانتخابات النيابية، والشهر القادم سيكون حافلا ببروز المرشحين وبدء تبلور التحالفات الانتخابية.

ما من مرة شهد لبنان في تاريخه الانتخابي ما يشهده اليوم، فقبل ثلاثة اشهر من موعد اجراء الانتخابات يستمر اقطاب الطبقة الحاكمة في الصراع حول تعديل قانون الانتخابات، ما يشير الى احتمالات تاجيلها مجددا على صعوبة ذلك، وهو صراع يدور لاسباب شتى، منها ما له علاقة بعدم وضوح صورة الاوضاع في المنطقة والى اين ستذهب التطورات السياسية والعسكرية وانعكاسها على هذه الانتخابات ونوع التحالفات المرافقة لها، فضلا عن عدم معرفة من سيفوز فيها بالاكثرية، ومنها من له علاقة بانتخابات رئاسة الجمهورية القادم​ة، ذلك ان تاجيل موعد الانتخابات يتيح لمجلس النواب القادم المنبثق منها انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس عون.

وبعيدا عن لعبة تريث القوى السياسية في عقد تحالفات سياسية وانتخابية وتركيب اللوائح، وتوثب عدد كبير من المرشحين في لوائح اطراف السلطة خيارا اول، وفي لوائح معارضة اذا عزت الفرص، ما هي معالم خريطة الصراع السياسي، كتلا، وقوى، ومشاريع سياسية؟ وهل هناك اساس موضوعي لتقدم قوى التيار الديمقراطي للعب دور حيوي وفعلي في سياق الاستحقاق الانتخابي، وهل يمكن ان يشكل هذا الاستحقاق فرصة لنقلة جدية لهذا التيار في اتجاه ملء خانة المعارضة الحقيقية من مواقع شعبية ديمقراطية، وهل هناك مؤشرات لان تتقدم قوى هذا التيار لملأ هذه الخانة؟

اقرأ أيضاً: مرشحون يعدون «بالمارد المدني» في الانتخابات النيابية القادمة

الواقع ان الطبقة الحاكمة التي تجسد تحالفا بين ممثلي راس المال الكبير ورموز الحرب والطائفية، والمشروع السلطوي الجاري تنفيذه انتج ازمة وطنية سياسية واقصادية – اجتماعية مستفحلة وعميقة، لا بل هي مشرعة الابواب على كل الاحتمالات، وهي ازمة تتجلى على غير صعيد وتطاول مختلف مجالات الحياة اللبنانية بدءا بقانون الانتخابات، ومرورا بالخلل السياسي في تركيب السلطة، والوفاق الوطني، والحريات الديمقراطية وحقو​ق الانسان، واحترام مبدا تداول السلطة، واتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء والغلاء المتصاعد، وارتفاع في اسعار الخدمات، وشبه انعدام للأساسي منها، ومعدلات ضرائب جديدة، وعجز متصاعد في الموازنة، وتضخم متصاعد في الدين العام، وعجز عن الاصلاح الاداري، بل امعان في نهج الفساد والافساد، ونهب للمال العام، وتقاسم لمقدرت الدولة ومراكزها ما آل الى تحويل الدولة شركة محاصصة يتوزع القيمون عليها الحصص والمناصب.

في وضع هذه صفته، ومن دون شك اوجد هذا المشروع موضوعيا هامشا واسعا امام المعارضة بفعل هذا التهميش المتزايد لفئات شعبية واسعة، وتحت يافطة المعارضة تندرج كل تلاوين المعارضات التي تحتشد ضمن الوضع السياسي اللبناني ٦منها

ونسارع الى القول ان هذه المعارضات المتباينة على غير وضوح في التمايزات السياسية الفعلية بين اطرافها، قسم منها يعمل على الوصول الى السلطة على قاعدة قم لاقعد مكانك، ويقف قسم اخر في موقع ملتبس ببن السلطة والمعارضة، ويحاول قسكم ثالث الدخول الى الحلبة من موقع مستقل.

الانتخابات النيابية زحلة

واذا ما اردنا الندقيق في الخطاب الذي يدلي به رموز المعارضة الرسمية، فهو يعكس تعمية واضحة عن واقع البلاد الفعلي، وسبل الخروج من مازقها الوطني، فضلا عن ان جوهر عناوينه الاساسية التي تتحصن فيها هذه المعارضة لاتختلف في مضمونها عن المشروع السلطوي، سواء لناحية اطلاق آلية ديمقراطية للعمل السياسي، او لاستقامة حكم المؤسسات وبناء الدولة، او للخيارات الاقتصادية المعتمدة، والنتائج الاجتماعية التي تؤول اليها هذه الخيارات، او لناحية التفريط بالسيادة الوطنية، يضاف الى ذلك ان رموز هذه المعارضة ينطلقون من مصالح فردية ضيقة لاتطل على المدى اللبناني تعبيرا عن مصالح لبنانية عامة وطنية بالتعريف، وهم بذلك يبقون اسرى مواقع ومطالب فئوية او مناطقية او مذهبية.

.وفي سياق الحديث عن الاتجاهات السياسية في الراهن اللبناني ثمة لقاءات او مشاريع لقاءات كثيرة او تحفزات متباينة الدوافع والتطلعات. تطلعات تتراوح بين الشخصي والعام وتعلن سعيها الى تمييز نفسها عن اطراف السلطة، والاستواء اتجاها قائما بذاته.

الى ذلك ثمة نخب باعداد كبيرة في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما على الصعيد الثقافي والاجتماعي، واعداد متسعة في سائر المناطق اللبنانية من الذين كانوا ينتسبون الى احزاب اليسار. هذه المروحة تنأى بنفسها بشكل عام عن اطراف السلطة، كما لا تقدم نفسها بصفة طائفية وتعبر بطريقة او باخرى عن مواقف مستقلة.
في ظل هذه اللوحة، وفي حين ان المشروع الجاري تطبيقه في البلد من قبل الطبقة الحاكمة بسائر اجنحتها يقدم فرصة استثنائية من اجل كسر الطوق، وفي حين ان لبنان اليوم اكثر من اي وقت مضى ممزق الى طوائف ومذاهب واليسار يملك رصيدا يتيح له ويمكن ان يشكل نقطة التلاقي والتوحد ومحور مواجهة الطبقة الحاكمة التي تبتلع البلد وتقضي على الدولة، وهو قادر على انتاج فسحة لا يعود التعدد فيها تصدعا، ولا تكون المطالبة فيها بالنسبية الفعلية في قانون الانتخابات مزحة سمجة من فرط طائفيتها، وتمتلك حظ الانتشار المجتمعي لايجاد قاعدة شعبية واسعة من اجل تحرير المواطن ووضعه مباشرة في علاقة مع الدولة.
هذا الدور هو السبيل الفعلي الى وجود نواة صلبة لشق طريق لمسار سياسي في مواجهة نهج التحالف السلطوي، ولا يمكن حصول ذلك ما لم يجر اعتماد نهج سياسي مستقل عن اطراف السلطة وعن المعارضات الرسمية والطائفية وعن محوري الصراع الاقليمي، ومغادرة الموقع الملتبس، والابتعاد عن التحالفات الفوقية والمتناقضة، والمبادرة النشطة على قاعدة برنامج حد ادنى في هذه المرحلة معياره الاستقلال السياسي، وما يرتبه ذلك من المبادرة الفعلية والنشطة قولا وفعلا لصوغ تحالف في ضوء هذا التوجه مع القوى الديمقراطية وتطوير اشكال التنسيق معها وصولا الى تشكيل نواة صلبة لمعارضة لا تقبل ازدواجية المعارضة السياسية للطبقة الحاكمة والبقاء على علاقة سياسية ملتبسة معها او مع احد اجنححتها في نفس الوقت.
بهذا المعنى تشكل الانتخابات النيابية اختبارا لقوى التيار الديمقراطي في تعيين موقعها واستقلالها السياسي، كما تشكل محطة كي تتقدم في امتداد هذه المساحة من مساحات الفعل والاستقطاب والتعبئة والفرز الواضح بين القوى والمشاريع، وهي فرصة لاطلاق دينامية متنامية لمخاطبة كتلة شعببة واسعة تطاولها الازمة المحتدمة وتاخذ بخناقها وتهدد مصالحها ومصيرها. هذا التوجه يسهم في مغادرة فئات شعبيةواسعة حال الاحباط والانفتاح على تيار ديمقراطي ينطق باسمها والاستعانة به في مواجهة هذا المازق الوطني الذي يزداد تفاقما.

اقرأ أيضاً: سجال الأقدمية يزداد ضراوة.. ومخاوف على عمل الحكومة

هنا من الضروري القول ان خوض التيار الديمقراطي غمار الاستحقاق الانتخابي وتوظيفه في سياق تفعيل دوره لا يستقيم اذا بقي مفصولا عن سياق الصراع السياسي الفعلي الدائر في البلاد، وتحويله الى مجرد مجرد لهاث لتامين موقع في احدى اللوائح ومجرد وضع ورقة قي صندوقة الاقتراه، او محكوما بسلوك انتظاري يقنن حركته ويوزن خطواته على ايقاع وبانتظار حركة الاتصالات الفوقية لعله ينجح في التسلل ويحظى بموقع في بعص لوائح السلطة.

فهل تشكل محطة الانتخابات فسحة فعلية لانفتاح القوى والاطر والهيئات الديمقراطية المتناثرة على امتداد الوطن بعضها على بعض فرصة لرفع مستوى التفاعل والتنسيق بين هذه القوى ليس في صيغة تجميعية كيفما كان، بل على قاعدة بلورة قواسم برنامجية كمحطة على طريق اعادة تاسيس الحركة الشعبية الديقراطية؟

السابق
برّي إلتقى لاريجاني وسيلتقي روحاني
التالي
التحالف المدني الإسلامي: يدعو لتحقيق سريع وشفاف في قضية الإعتداء المسلح على الأيوبي