التجديد في الاسلام: في العقيدة والتراث أم في الوعي؟

يقول سماحة العلامة المفكر السيد محمد حسن الأمين إن مفهوم التجدّد الحضاري في لعالم الإسلامي هو أمر متفّق عليه بين الباحثين، وليس ذلك وليد هذه الفترة ولكنه وليد ما يسمى بعصر النهضة الأخير في القرن التاسع عشر، وكان هناك خلاف بين مفكرين وباحثين حول طبيعة التجدّد الحضاري وهل هو في العودة إلى التراث وتنقيته، أم في اصلاح العقيدة، أو في جعل الوعي الجمعي الاسلامي أكثر تقدما كي يستوعب العصر.

عن سؤال التجديد في الاسلام والعودة للتراث وتنقية الحديث والروايات فيه يقول السيد الأمين أن “ما زالت فكرة التقديس للتراث قائمة وكل محاولة لقراءة جديدة لهذا التراث تواجه بالرفض والاتهام هذا ملخص إشكالية التراث، فمجمل المعطيات العلمية والفكرية التي أنجزتها فترة القرون الأولى من الإسلام، ما زال سؤال التجدد الحضاري مطروحاً في عصرنا ربما كان أكثر إلحاحاً منه في المراحل السابقة، ومن الواضح أن نشوء حضارات غير إسلامية يشكل لدى المسلمين شعوراً بالتخلف عن مسيرة العصر وتقدّمه، لذلك يبرز سؤال كيفية التجدد الحضاري وتبرز خلاله مسألة التراث والتعامل معه عقداً أو تقديساً أو انتقاء ومن الواضح أن عملية النقد الواسعة لتراثنا الإسلامي لم تحقق بعد المساحة التي يستوجبها هذا العمل الكياني، حتى ان موضوع التجديد في الاسلام نفسه ما زال محل خلاف بين علماء ومفكرين”.

أما على مستوى العقيدة الإسلامية ومحاولات اصلاحها، فـ”إنني لا أجد أن هناك أي إشكال حول طبيعة هذه العقيدة والتي تلخصها كلمة التوحيد والإيمان بأصول الإسلام حتى لو اختلفت بعض الأفهام في فروع المسألة الدينية. فنحن لا نرى أن عملية الاجتهاد يمكن أن تطال هذه العقيدة الثابتة، ولكننا نعتقد في الوقت نفسه أن النصوص التي فسرت المفاهيم والعقيدة الدينية والقرآن والحديث،لا تدخل في دائرة التقديس ولا بد لنا نحن المعاصرين أن نقدّم قراءتنا لها على النحو الذي تصبح فيه العقيدة أكثر واقعية وغير تصادمية مع الآخر المختلف، لتغدو دافعاً وحافزاً من حوافز التقدّم، وثمة مفاهيم توالدت عبر التجارب الإنسانية في طبيعة الاجتماع الإنساني لا يمكن إهمالها، بل لا بد من التوفيق بينها وبين العقيدة الإسلامية التي تتسع لكل نشاط إنساني يضيف للوجود الإنساني القيمة والمعنى الذي تتضمنه النصوص الدينية نفسها.”

أما من حيث اعادة بلورة وعي اسلامي جديد فيشرح السيد الأمين انه ” على صعيد التكنولوجيا مثلاً، لم يعد ممكناً مواكبة الحضارة العالمية دون تحقيق ثورة تكنولوجية إسلامية، وهذه لا تحتاج أكثر من النظر في مناهج الآخرين التي أوصلتهم إلى مثل هذه الثورة وغيرت من طبيعة مجتمعهم. إذن فإسناد الوعي بالعلم والمعرفة هو الأمر اللازم لمشروع التطوّر، ولا يجوز بالمقابل ان نظل ندور في حلقة مفرغة من جدل حول العقيدة والتراث لا يؤدي بنهايته الى قفزة كبيرة تطال الوعي الاسلامي بالمجمل، فالجدل يجب ان يصبح لاحقا حول المستقبل لا الماضي، أي طرح الأسئلة التي تتعلق بما يجب أن يكون عليه المستقبل والاقتناع بأن التاريخ لا يجدد نفسه، فنحن لن نكون أمة متقدمة إذا استنسخنا ما كنا عليه في العصر العباسي مثلاً، أي أن أمجاد المسلمين التاريخية لا تعفيهم من ممايثة العصر الذي يعيشون فيه. ومن هنا كان من الضروري أن يدخل في حراكنا ومسارنا السياسي والاجتماعي مفاهيم جديدة تستحق الجدل والتأمل وعلى رأسها مسائل الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ويمكن القول أن هذا يتطلب إنشاء وعي جديد، أعني وعياً مستقبلياً نتعامل من خلاله مع الماضي ولكن من أجل المستقبل، ولا أظن أن الأمر بات يتطلب كثيراً من الجدل حول الخلافات المذهبية والكلامية.”

وكمثال على ذلك يطرح السيد الأمين انه “يمكن إعادة طرح موضوع العلمنة بالنسبة للاجتماع الإسلامي برؤية جديدة مختلفة عن النظرة السائدة باعتبار العلمانية عدوّ للدين”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا بدّ من عقد قمّة عربية استثنائية للإتحاد حول القدس

وبنظر السيد الأمين أن” هذا الوهم الذي يعتبر ان العلمانية عدوّ الدين هو في نظرنا ناشىء عن اقتران ولادة العلمنة مع عصر الصراع بين الكنيسة ودعاة العلمنة، والتي لم يشترط فيها الإلحاد بقدر ما اشترط الفصل بين الدين والدولة، ونحن نرى أن الإسلام لا يقرّ وجود سلطة دينية بمعنى أننا في تعمقنا لرؤية الإسلام، لموضوع السلطة نستطيع أن نستند إلى مفهوم الشورى، ومعلوم أن مفهوم الشورى يضيق ويتسع حسب تطور المجتمع وتخلّفه، ولا أحسب ان ما أنجزه الغرب على الصعيد السياسي يتنافى مع ما يمكن إنجازه على مستوى الاجتماع الإسلامي، فلا يمكن ألاّ أن يكون هناك بعد ديني لعلمانية المجتمع الإسلامي ولا يؤدي الأخذ بالعلمنة إلى استبعاد الدين عن المجتمع، بل إننا نرى أن السعي نحو العلمنة فيه اتجاه متقدّم لبناء الدولة من جهة ولتحرير الدين من الأهواء السياسية. وهنا يوجد نقطة أساسية لا بد من الإشارة إلهيا وهو أن تاريخ الإسلام السياسي كان تاريخ الدولة الدينية وكانت السلطة تأمر وتنهي بإسم الحق الإلهي وهذا ما يعرفه الإسلام، مع العلم ان هذا الحق الإلهي في الإسلام للأنبياء وللمعصومين فقط ولا يمكن أن يكون لأحد غيرهم من البشر”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين لـ«أوائل»: إيران تتجه أن تكون دولة علمانية

ويخلص السيد الأمين في النهاية بقوله “إذن لا بد من تجديد الوعي الإسلامي على النحو الذي يمكننا من قطع المرحلة الفاصلة بيننا وبين حالة التجدد الحضاري التي ننشدها والتي شهد مثالاً لها بعض العصور الإسلامية النهضوية، وبهذا يكون التراث حاضراً لنأخذ منه ما يمد هذه الصحوة الجديدة ونهمل ما ليس له ضرورة او معنى أو صلة.

السابق
الموظفة التي قالت «بدكن تحكو الوزير كرمال طفل سوري» .. سوف تخضع للمحاسبة!
التالي
كرّ وفرّ في إدلب وقوات المعارضة تصمد وتستعيد ما خسرته