اسمعْ يا فضيلة الشيخ!

محمد علي الحاج العاملي
كان أثار مقال الشيخ محمد علي الحاج العاملي - حول قانون الايجارات الجديد، الذي اعتبره الكاتب سيؤدي لتهجير شريحة شيعية واسعة - ردودا عديدة، ما استدعى تعليق شيرين نعمة، التي تحدثت بلسان المالكين، مدافعةً عن حقوقهم.

تقول الآية تعالى:”وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”.

لقد ظلمتنا الدولة يا فضيلة الشيخ منذ أربعين سنة بأن حرمتنا من حقّنا بزيادات طبيعية على بدلات الإيجار لقاء خدمة الإيجار التي نؤدّيها لإخواننا المستأجرين. واستمرّ الوضع على ما هو عليه حتّى أثمرت تحرّكاتنا مناقشة قانون لأربعين جلسة في لجنة الإدارة والعدل وبمشاركة مختلف الكتل النيابية، والتصويت عليه بالإجماع في جلسة 1 نيسان 2014.

لقد ظلمنا يا فضيلة الشيخ ولم نسمع منكم أيّ تعليق أو رأي في واقع الظلم الذي ألقي على عاتقنا، ومع ذلك، للّه أن يحكم عليكم وعلى سواكم ممّن تغاضوا عن نصرة الحق في هذه القضية المحقّة. أمّا أن تأتوا إلينا اليوم بمقال تؤيّدون فيه الظلم الواقع علينا وتدعون إلى تمديده فهذا ما لا يقبل به لا شرع ولا دين ولا أي منطق إنساني وحقوقي. فكيف لإنسان مؤمن ألا يؤدّي الأمانات إلى أصحابها يا فضيلة الشيخ؟ وكيف لإنسان مؤمن أي يقيم في منزل إنسان آخر بالغصب والقوّة ومن دون رضاه وبما يشبه المجّان؟ وهل يرضى الله بحرمان فئة من حقوقها على حساب فئة أخرى؟ أليس العقد بشريعة المتعاقدين يا فضيلة الشيخ ما يستوجب رضى الطرفين فيه؟ وهل سمعت يومًا بعقد يُمدَّد إلى أبد الآبدين ومن دون رضى طرف من طرفيه؟

واسمح لنا أن نذكّركم يا فضيلة الشيخ بأنّ مسألة الإيجارات عابرة للطوائف والمذاهب، وهي مسألة اجتماعة واقتصادية، فيها مالكون ومستأجرون من جميع الطوائف تجمعهم مواطنية يفترض أن تكون صالحة في احترام القانون والدستور، ولا يجوز فيها التمييز في الحقّ بين دين وآخر أو بين طائفة وأخرى. فرفع الظلم عن المالكين القدامى مسألة واجبة لأنّها تخصّ الإنسان في إنسانيّته ودولته لا في طائفته ومذهبه، كما هي الحال عند المستأجرين من جميع الطوائف الذين استفادوا من ظلم الدولة علينا فأقاموا بالمجان في منازلنا لأكثر من أربعين عامًا، ونحن لا نميّز بينهم طائفيا ومذهبيا.

أما ذكرك الإمام موسى الصدر ورئيس المجلس النيابي لاستثارة الغرائز الطائفية فاسمح لنا أن نقول إنّه أمر غير جائز بالاستناد إلى مسيرة الإمام الصدر في الوطنية قبل الدين، وفي المقاومة الوطنية قبل المقاومة الإسلامية التي نحترم ونقدّر ونجلّ، فحركة أمل هي حركة المحرومين الذين حرمتهم الدولة من حقوقهم من دون تمييز في الدين أو الطائفة، ولم تكن يوما للشيعة أو لفئة منهم حصرًا في لبنان، ولم تكن يوما حركة الاستيلاء بالقوّة على أملاك الغير، ولهذا خرج من رحمها الرئيس نبيه بري رئيسا وطنيًّا للمجلس النيابي اللبناني لا لفئة دون أخرى، وبخطاب وطني جامع بعيدًا من زواريب الطائفة والمنطقة.

إقرأ أيضاً: قانون الإيجار الجديد: هذه حقوق المالك وهذا حق المستأجر

وبالعودة إلى القانون الذي تحدّثت عنه يا فضيلة الشيخ، ألا فاسمح لنا أن نشرح عن بعض تفاضيله علّكم تستنيرون. إنّ القانون الجديد يمدّد إقامة المستأجرين 12 سنة في المأجور، ويفرض عليهم زيادات تدريجية على بدلات الإيجار بعد أربعين سنة من الإقامة شبه المجانية في أقسامنا، وينشئ حسابًا لدفع الزيادات عمّن لا يتخطّى مدخولهم خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور طيلة فترة التمديد (12 سنة)، على أن يرتبط الحساب بالمالك الذي لا يجوز له التذرّع بعلّة عدم تمويل الحساب لإسقاط حق المستأجر من التمديد القانوني. فهل تريد للأغنياء أن يقيموا في ملك الغير بالمجان يا فضيلة الشيخ؟ ألا تكفي 12 سنة لمحدودي الدّخل ليتدبّروا أمورهم كما يتدبّر جميع المواطنين أمورهم في السكن؟ وهل تريد للمالك أن يستنزف بخسائر مادية ولسنوات إضافية تضاف إلى خسائرة التي لا تعوّض؟

وهنا في السياق نضيف إلى معلوماتكم الفتوى التي صدرت عن المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني بأنّ الصلاة في المكان المغصوب باطلة، سواء تعلّق الغصب بعينه أو بمنافعه كما إذا كان مستأجرًا وصلّى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذونًا من قبل المالك أو تعلّق به حق. وقد ذكر هذا الأمر الرئيس نبيه بري بأنّ صلاة المستأجر لا تجوز إذا كان ظالما المالك في ملكه.

إقرأ أيضاً: اسمع يا دولة الرئيس (18) : في مؤامرة تهجير الشيعة من بيروت!

لقد أخطأت يا فضيلة الشيخ في ذكر المحطة الأسوأ في تاريخ المحرومين. أكاد أظنّ جازمًا بأنّ المحطّة التي حرم فيها المالكون القدامى من حقوقهم هي الأسوأ في تاريخ المحرومين. فكن مطمئنا يا فضيلة الشيخ فليس الرئيس بري من يهجّر الناس من مدنهم وبلداتهم، بل هو من أعادهم ويعيدهم إلى مدنهم وبلداتهم وعاصمتهم التي هي عاصمة لجميع اللبنانيين، وهو من يحضّ اللجان والمؤسسات الرسمية على سنّ القوانين والتشريعات العادلة والضامنة لحقوق المواطنين عبر الدولة لا عبر السطو على حقوق آخرين في غفلة من الزّمن!

السابق
حداد: بيار فتوش يرسل زلمته المتهم بجريمة قتل، للتطاول علي
التالي
الاستثمار الإيراني في «لبنان الرهينة»