إعصار الجوع الذي هبّ من إيران هل يضرب لبنان على الطريقة اليونانية؟

احمد عياش

بعد موجة التكهنات حول مآل الامور في لبنان لاسيما في الاشهر القليلة التي تفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل، تقدم الى الواجهة العنوان الاقتصادي كباب قد تهب منه رياح خطر كبير يماثل ما حلّ باليونان عندما ترنحت قبل أعوام تحت وطأة أزمة مصرفية عصفت بكل الاتحاد الاوروبي. فما هي الوقائع التي تسمح بالكلام على لبنان إنطلاقا مما حلّ بجارته اليونان؟
قبل أسابيع، وبعد إقرار زيادة الاجور في القطاع العام، أبلغت مصادر وزارية “النهار” ان الكلفة التي قدّرتها وزارة المال لهذه الزيادة والبالغة 1200 مليار ليرة إرتفعت فعليا الى 1800 مليار. ثم تبيّن لاحقا انها لامست ال 2000 مليار الامر الذي جعل كل التقديرات السابقة لارقام موازنة السنة الحالية غير واقعية. وهكذا تقرر إعادة النظر في هذه الارقام قبل المضي في إنجاز مشروع الموازنة.وفي الايام الماضية، إنفتح باب جديد للانفاق تمثل بإحتمال تقديم عطاءات للقطاع التعليمي تبلغ قيمتها 600 مليار ليرة ما يرفع الانفاق الى مستوى قياسي يتطلب التفتيش عن موارد لتغطية النفقات.

اقرأ أيضاً: الاستثمار الإيراني في «لبنان الرهينة»

بعد سلة الضرائب التي جرى إقرارها والتي بدأ اللبنانيون يحسون بوطأتها، إتجهت أنظار دوائر المال الى القطاع المصرفي الذي ينظر اليه خبراء الوزارة كمصدر وفير للموارد إنطلاقا من الودائع التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات التي هي ودائع المواطنين وليس ودائع الدولة. وقد إختارت الوزارة مدخلا الى هذا “المنجم” بإخضاع فوائد المصارف في مصرف لبنان والودائع بين المصارف أو ما يعرف بال INTERBANK DEPOSITS لضريبة ال 7 في المئة أو ما يعادل 650 مليون دولار. وتوقعت مصادر متابعة ان يكون هذا الرقم أكبر بكثير عند تطبيق قرار الوزير علي حسن خليل بحيث يؤدي فعليا الى الحصول على أكثر من نصف عوائد هذه الفوائد والتي تبلغ نحو مليار و700 مليون دولار.وتخوفّت المصادر ذاتها من أن هذا التوجه لدى الوزارة ينم عن تفكير سياسي لا يقيم أصلا وزنا للقطاع المصرفي بإعتبار أن أصحاب هذا التفكير خارج هذا القطاع كليا.
في المعلومات المستقاة من مصادر مالية، أن مصرف لبنان الذي قام في الاشهر الماضية بما وصف بـ”هندسة مالية” كي يقوم بتثبيت سعر صرف الليرة,يبدو بعيدا عن النهج الذي تمضي به وزارة المالية ما يعني ان لبنان لا يعتمد حاليا سياسة واحدة في مواجهة الاعباء الضخمة التي رتبها إنفاق سخي مقابل موارد متواضعة. وهذا النهج في الانفاق بدأ منذ أعوام ما جعل لبنان الذي ينتمي الى دون العالم الثالث على صعيد الموارد يتقدم على العالم الاول. ومثالا على ذلك، أن أستاذا متفرغا في الجامعة اللبنانية يتفوق براتبه على زميل له في الجامعات الفرنسية. وعلى طريقة لحس المبرد إتجهت وزارة المالية في الساعات الماضية الى تغطية زيادة لعمال الكهرباء كي يتم طيّ صفحة أضرابهم الاخير الذي وضع لبنان على حافة العتمة الشاملة.
في إطار هذه الصورة المالية المقلقة، يبدو السباق الجاري بين الرئاستيّن الاولى والثانية في مضمار مرسوم ترقية الضباط شبيها بالجدل حول “جنس الملائكة” في بزنطية:هل المرسوم ينسجم مع الطائف أم يناقض الطائف؟ هل الملائكة ذكور أم إناث؟أما في جوهر الموضوع فمزيد من الانفاق ولو من خزينة خاوية.
جريا على المثل القائل” لم تمت… لكن ألم تر من مات؟” يسأل خبراء عما إذا كان أهل الحكم يتعظون مما يجري في هذا الشرق الذي يعاني جفافا في الموارد المالية أدهى من جفاف الموارد المائية؟ في الانباء التي تزال ترد من السودان هناك بوادر ثورة رغيف بعدما زاد سعره هناك مئة في المئة. أما في إيران فلا تزال أنباء ثورة الجياع هناك طرية. وإذا كان من عبرة مما جرى في إيران يجب أن يتعظ بها لبنان ما قاله بالامس مدير مؤسسة كيهان الثقافية الاستاذ “حسين شريعتمداري”: “ان تنظيم داعش وان كان عديم التقيّد باحكام الدين الا انه لم يتجرأ على توجيه الاهانات للاسلام والقرآن ولو بشكل صوري، في حين رفع الغوغائيون شعار “كلا للاسلام كلا للقرآن”!
في تشرين الثاني الماضي مرّ لبنان بقطوع خطير تمثل بإعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إستقالته. ومن حسن طالع لبنان أن أزمة هذه الاستقالة إنفرجت بإهتمام دولي غير مسبوق من المفترض ان تحل بشائره في مؤتمر باريس -4 المرتقب في الاشهر القليلة المقبلة.لكن الاوساط الديبلوماسية الغربية تراقب عن كثب السلوك الرسمي على صعد عدة. ولا داعي هنا للتذكير أن مسلسل مؤتمرات باريس السابقة إقترنت بسلة إصلاحات لا بأغنية “يا دني شتي مصاري شتي علينا فلوس”. من المقلق ان القاطنين في أبراج الحكم الان يغنون بصوت عال هذه الاغنية!

السابق
أزمة الكهرباء تتفاقم في ظل استمرار الاضراب وتعنت الوزارة
التالي
الإستقرارُ المُفخَّخ