السيد محمد حسن الأمين لـ«أوائل»: إيران تتجه أن تكون دولة علمانية

بين عامي 2017 و2018، اندلعت في ايران سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على شكل تظاهرات عمالية ما لبثت ان تحوّلت الى شعبية عامة انطلقت من مدينة مشهد لتشمل العاصمة طهران وعدد من المدن والمحافظات لا سيما خوزستان او الأهواز، ولما كان الامن الايراني قد نجح في قمعها بالمرحلة الاولى، فان تلك الاحتجاجات عادت لتندلع بشكل متقطع على مدى شهور في عدد من المناطق وذلك حتى توقفها منتضف عام 2018، لتندلع موجة جديدة لاحقا عام 2019 بسبب زيادة السعر على البنزين. في هذه الاثناء لاحظ العلامة المفكر الاسلامي الراحل السيد محمد حسن الامين في مقابلة اجراها معه موقع "جنوبية" ان إيران تتجه لأن تكون دولة علمانية (علمانية مؤمنة) على النحو الذي يتم فيه إكمال مفهوم الديمقراطية، أي حكم الشعب للشعب دون أن يعني ذلك موقفاً سلبياً من الدين". وهنا نص المقابلة.

الاحتجاجات الشعبية المفاجئة التي اجتاحت عددا من المدن الايرانية، كان لها وقعا مدويا في العالم، وهي ذكّرت بوجود نظام ولاية الفقيه الذي لا يسمح لأي سلطة أن تعلوه في البلد حتى لو كانت منتخبة، فما رأي سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين بتلك الاحتجاجات، وهل هي محقة أم انها لا تعدو كونها محاولة فاشلة لتغيير النظام أو التأثير فيه؟

يشرح سماحة العلامة الأمين بقوله: “يجب أن نقرّ بأن النظام الإيراني السياسي يعتمد مبدأ ولاية الفقيه للقيادة الدينية والزمنيّة، وفي نطاق النظرة الشعبية، فإنه يفترض بنظام ولاية الفقيه أن لا تشوبه ثغرات أو أخطاء كبقية الأنظمة، وإن كان هناك عدد من النخب الإيرانية لا توافق على عقيدة النظام، وما الأحداث التي شهدتها إيران خلال الأيام الماضية إلا دليلاً على أن النظام الديني الحالي هو كغيره من الأنظمة، ينجح في استقطاب الشعب حينا، ويفشل كلياً أو جزئياً في هذا الاستقطاب المنشود حينا آخر”.

ولكن الى أين تتجه الأمور في ايران؟ يجيب سماحة السيد الامين “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتجه بحسب رؤيتنا إلى الالتحاق بالأنظمة المعاصرة المتقدمة وهي تملك من الإمكانات البشرية والمادية والعلمية ما يمكنها أن تقفز إلى مستوى العالم الأول، ولكن بعد أربعين سنة تقريباً من الثورة الإسلامية نجد أن إيران لم تحقق الآمال المعقودة على تلك الثورة، ونجد أن هناك جيلاً جديداً هو جيل ما بعد الثورة له من الرؤية والتطلعات ما يحتم عليه أن يكون جيلاً معارضاً ومطالباً بالإصلاحات السياسية والاقتصادية خصوصاً، وأن إيران بلد غني ومع ذلك فإن مشكلة البطالة والفقر موجودة فيه بنسب متفاوتة مع الدول المماثلة من العالم الثالث.”

لذلك لا يستغرب السيد الأمين “خروج المظاهرات وبروز صوت للمعارضة بالرغم من أنه صوت شعبي لا يحمل سمات قيادة محددة، وأعتبر أن هذه التظاهرات تشكّل امتحاناً لأداء السلطة في إيران التي لا تعيش خارج هذا العالم، ويتطلع شعبها إلى النماذج الناجحة في دول متقدمة كثيرة، ولقد لاحظنا من خلال الشعارات التي رددها عدد من المتظاهرين بأن هناك سخطاً شعبياً على الاهتمامات الإيرانية السياسية في الخارج على حساب الداخل، بمعنى أن تعمل إيران بشكل أساسي على أن تكون قوة إقليمية ودولية كبيرة ومميزة على حساب مشروعات التقدم والنمو”.

إقرأ أيضاً: انتفاضة ايران: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة..باسم الله او باسم الشيطان

وبرأي السيد الامين ” ان طموح الشعب الإيراني هو بناء الدولة والتقدم الاقتصادي ووضع الإمكانات الكبيرة التي تقدمها إيران للعالم الخارجي وبصورة لمهمات التنمية والنمو الاقتصادي والقضاء على الفقر، وقد سمعنا شعارات تندد بالسلطة وحتى بوليّ الفقيه على نحو لم نسمع فيه سابقاً الا من جهات سياسية، أما هذه المرة فكانت الجهة التي انطلقت بالتظاهر كانت عفوية، مما يدل على وجود أزمة حقيقية لا يجدي معها القول أن القوى الأمنية استطاعت أن تقضي على هذه الاحتجاجات، ولكني أدرك أن القيادة الإيرانية تفهم معنى هذه الاحتجاجات وهي قادرة على محاصرتها، ولكنها مطالبة بإعادة النظر في نهجها السياسي والاهتمام بالتنمية ولا أستبعد أن تشهد إيران متغيرات، ولو كانت قليلة ونسبية إلا أنها تغيرات تدل على أن في النظام الإيراني ما زال هناك آثار للروح والأدبيات الثورية التي أطلقها الإمام الخميني، ولا أحسب أن ذلك لم يعد ممكناً، بل لدي تفاؤل أن يولد من هذا التحرك تيارات تعود إلى المبادئ الأصلية للثورة الإسلامية، ولا أريد أن أبالغ بالقول أن هذه الثورة قد منّيت بالفشل الكامل، ولكنني أدعي أنها لم تحقق النجاح المطلوب، بما يستدعي ما يشبه الثورة الجديدة لاستعادة الروح والمبادئ الأولى التي قامت على أساسها الثورة الإسلامية”.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني على محك التهديد الداخلي

اما عن الاتجاه النهائي لإيران على المدى الطويل يقول السيد الامين ويخلص ” بأن إيران تتجه لأن تكون دولة علمانية على النحو الذي يتم فيه إكمال مفهوم الديمقراطية، أي حكم الشعب للشعب دون أن يعني ذلك موقفاً سلبياً من الدين إلا إذا استدعى الأمر أن يكون هناك موقف سلبي من المؤسسة الدينية أو رجال الدين، فالعلمانية المؤمنة هي قدر الشعوب الإسلامية جميعاً، وهي ترتبط عضوياً بإطلاق أوسع مدى للحريات السياسية والفردية والاجتماعية. وإني لعلى ثقة أن شعباً مسلماً لن تكون علمانيته عدوّة للدين، بل هي لمصلحة الأمة ولمصلحة الدين في آن واحد، بعد أن تم إغراق الدين بالأهواء السياسية واستغلاله لأجل النفوذ، وهذا ما يتنافى مع الإسلام روحاً وعقيدة وتشريعاً”.

السابق
انتفاضة ايران: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة..باسم الله او باسم الشيطان
التالي
هل يكون نجاد كبش فداء «النظام» للمحتجين