احتجاجات إيران: التجربة الإسلامية الشيعية في خطر

يعطي نظام الجمهورية الإيرانية الإسلامية، التي أسسه روح الله الخميني عام 1979، بناء على مبدأ ولاية الفقيه، الأولوية الدينية للسلطة السياسية، ويكرس وجود الفقهاء الشيعة في السلطة، وعلى جميع المستويات. فهل من خوف على هذا النظام الشيعي الوحيد في العالم؟.

تخطت الاحتجاجات في شعاراتها الخطوط الحمراء، خاصة مع المطالبة بـ”الملكية” وإسقاط الحكم الديني ورموزه. فـ”الرهبر” أي القائد، خط أحمر لا يمكن المسّ به. فهل يمكن لهذا التخطيّ ان يخرج عن السكة. وهل ان الوقت حان بعد احتجاجات2017 لاعادة النظرفي هيكلية النظام في ايران، وهل هي تعبير عن أزمة الفكر السياسي الشيعي الذي حكم إيران أم أنها تصنف في اطار مطلبي حياتي؟.

إقرأ ايضا: خفايا حياة خامنئي(3): ثروة المرشد النقدية ومصدرها

وفي اتصال مع الدكتور الشيخ محمد دهيني، الباحث الإسلامي الإصلاحي، الذي عاش فترة طويلة في ايران وفي حوزاتها، قال “لا شك في أن الشعب الإيراني يعيش ضائقة اقتصادية خانقة جراء الحصار، والذي لم يُفك عنها حتى بعد توقيع الاتفاق النووي الأخير. وبحسب الإحصاءات والمشاهدات، فإن فئة كبيرة منه تعيش تحت خط الفقر وتعاني البطالة والحرمان. وهذا كله يؤدي إلى ثورة اجتماعية قد يستغلها المغرضون لتحقيق أهدافهم، لكنها حقيقة هي صرخة غضب على واقع متردّ لم يعد يُحتمل. لا ريب أن أساس المشكلة هي في الحصار التي تتعرض له الدولة، وإلا فإن في إيران من الثروات والخيرات الكثير، ولكن ما نفع هذه الثروات ما لم يكن بالمقدوراستبدالها بأبسط الاحتياجات المعيشية؟. قد يقال إن المشكلة تكمن في النظام الإسلامي القائم الذي لم يحسن التعاطي مع المشاكل. ولكن بنظرة فاحصة لإنجازات النظام  فقد تحولت إيران إلى رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية مما يكشف عن كفاءة عالية عند أصحاب القرار في المجالات التي يتعاطون بها ويصرون على إنجاحها”.

وتابع “إذن، لا تكمن المشكلة في العقلية، بل هي مشكلة قدرة، فالحصار الاقتصادي جعل أصحاب القرار عاجزين عن تأمين الحل للمشاكل. فالنظام الايراني بحاجة ماسّة للإصلاحات، ويسعى لها لكنه عاجز عن الوصول إلى نتائج مرضية بسبب هذا الحصار. وربما بسبب اهتماماته الكبرى بالمنظومة العسكرية والأمنية والسياسية، فهو مخير بين المهمّ، أي الشأن الاقتصادي والاجتماعي، والأهم أي الشأن العسكري والأمني والسياسي، ومن البديهي ان يختار العاقل ما هو الأهم، ولو على حساب المهم رغم أهميته”.

ويشدد بالقول “لا أعتقد أن شكل وهيكل النظام في الجمهورية الإسلامية يتحمل أية مسؤولية عما وصل اليه الوضع اليوم. فقد يحتاج النظام لبعض الإصلاح، ولكن ليس لذلك أي تأثيرعلى مجريات الأمور، وإنما هناك أسباب موضوعية كفيلة بإيقاع أي نظام، مهما كان شكله، في مثل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبرى. فالفساد والاستغلال غير مشروع للسلطة والاختلاس كلها أمور لا يخلو منها نظام، وهي ليست مشاكل ذاتية في النظام الإسلامي الحاكم في إيران”.

ويختم دهيني بالقول “من هنا، أعتقد أن بعض الاهتمام في متابعة الشأن الاقتصادي والاجتماعي كفيلٌ بإعادة الأمور إلى نصابها. ولا خوف بتاتاً على أساس هذا النظام الإسلامي، بغضّ النظر عما يعتريه من نواقص وشوائب قابلة للإصلاح والتعديل، لكن ليس تحت ظل السيف، ولا في حمأة الصراع الوجودي ولا مع الحصار الاقتصادي الخانق. وعندما يهدأ الصراع السياسي والعسكري والأمني ويتوازن الاهتمام الرسمي سوف تحلّ المشاكل”.

وفي الاطار نفسه، وردا على سؤال حول الشعور بالقلق على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران بعد هذه الاحداث، يؤكد الدكتور طليع حمدان، أستاذ تاريخ الأفكار والحضارة والثقافة الإسلامية في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، ان “ما يجري في الجمهورية الإسلامية لا يشعرني، على المستوى الشخصي، بالقلق على بقاء النظام والدولة، فالنظام هناك لم يكن نتاج انقلاب عسكري أو تآمر خارجي، بل نتيجة حقيقية لآمال وطموحات الشعب الإيراني الذي نزل بالملايين وأسقط أقوى الأنظمة التابعة لواشنطن في المنطقة، بل وقدّم مئات الآف الشهداء في سبيل الانتصارعلى الشاه والحفاظ على الثورة. فالمسألة تتجاوز القلق لتصل إلى مجموعة من الأسئلة والفرضيات، وتتعلق بأسئلة مشروعة تساعد الإجابة عليها في رسم صورة موضوعية للأحداث الجارية وأسبابها ومحركاتها.

ويتابع حمدان “وهنا يبرز السؤال الإشكالي الأول: هل تغيّر الشعب الإيراني ولم يعد يريد نظامه وأنّ حكام إيران اليوم باتوا مكشوفين أمام الشرعية الشعبية أم أن القضية تتعلق بمطالب ظرفية ومشاكل نُقَطيّة قابلة للتلبية والمصالحة، وأن السبب يرتبط بموازنة وتقديمات وإفلاسات مفتعلة قد تحصل في أرقى الدول وأقواها في العالم؟. وثانيا: هل أنّ ما يحدث في إيران اليوم منفصل عن الكباش السياسي والأمني بين الجمهورية الإسلامية وحلفائها وبين الولايات المتحدة وحلفائها، أو أن التظاهرات مفتعلة ويجري تصخيمها لخلق مناخ داخلي إيراني غير مستقر، يمنح أرضية مناسبة لسياسات الرئيس ترامب وحلفائه في النيل من النظام الإسلامي هناك، أو دفعه نحو طاولة المفاوضات والتنازلات؟”.

ويلفت حمدان الى ان “الوقائع في إيران تشير إلى وجود تململ شعبي كبير من سياسات الحكومة الأخيرة، جرى على إثره تظاهرات مناهضة من قبل المتضررين، ما جعل هواة “الانتحار” والاستزلام في السياسة، ممن يحملون حقدا على النظام الإسلامي منذ تأسيسه، أو من الذين لم يجدوا مكانا لهم فيه، إلى الزج ببعض الشباب الإيراني في احتجاجات مكشوفة قد تعرّضه للمحاكمة أو القتل و تخدم النظام الإسلامي أكثر مما تسيء إليه، لا سيّما وأنه ما يزال يمتلك مشروعية شعبية كبيرة، وأن شريحة كبرى من الإيرانيين تعتبر أن المسؤولية الكبرى في الأزمات الإقتصادية في إيران تتحملها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بعرقلتها المستمرة للإتفاق النووي”..

إقرأ ايضا: حركة الاموال الايرانية تحت نظر واشنطن: كشف أموال الخامنئي

ويختتم حمدان تعليقه، بالقول “ان الرهان على إسقاط النظام الإسلامي من خلال تلك الاحتجاجات هو رهان على حصان ضعيف، يجعلك شريكا في الغُرم دون الغُنم ..لذا المطلوب من الحكومة الإيرانية أن توازن بين “هَمّ” الثورة و”هَمّ” الدولة، وأن تبادر لمعالجة أسباب الاحتجاجات بالحكمة، بالمقابل على واشنطن أن تبادر إلى دعم الشعب الإيراني من خلال رفع العقوبات، والعمل مع الحكومة الإيرانية على تقريب وجهات النظر، كما حصل في عهد  الرئيس باراك أوباما”.

السابق
بعد مثوله أمام القضاء .. مارسيل غانم والحريات إلى الواجهة من جديد!
التالي
مركز كارنيغي: «الهاكرز» الايرانيون يمتازون بالعناد