إنقاذ الأونروا ضرورة إنسانيّة وسياسيّة وأمنيّة

منذ مطلع العام 2017 ووتيرة إستهداف وكالة "الأونروا" تتسارع بشكل غير مسبوق، ومع بدايات العام 2018 بدأت تلك الوتيرة تتسارع أكثر فأكثر،

بدأتها سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي الثلاثاء 2/1/2018 وفي عملية مقايضة وابتزاز موصوفة بأن إدارتها “ستوقف الدعم المالي الذي تقدمه لوكالة الأونروا إذا لم تعود السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي”، وهذا ينذر بالمزيد من المخاطر التي ستتعرض لها الوكالة الأممية خلال العام الجاري الذي سيحيي فيه اللاجئون الفلسطينيون ذكرى مرور 70 سنة على نكبتهم في أيار/مايو 2018.

إقرا ايضا: البطريرك والملك: اللاجئون والحوار والإسلاموفوبيا بينهما

هذه السرعة – إذا بقيت على حالها – لا يمكن وصفها إلا بالخطوات الخطيرة والإنذار الأخير لاتخاذ القرار الأممي بحل الوكالة التي ستتسبب أولاً بكارثة إنسانية؛ إذ تقدم الوكالة الخدمات لحوالي 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل يعيشون في 58 مخيماً ومئات التجمعات  في مناطق عملياتها الخمسة في الضفة وغزة ولبنان وسوريا والأردن من الصحة والإغاثة والبنى التحتية وتحسين المخيمات والقروض الصغيرة والحماية، والتعليم المجاني لحوالي نصف مليون طالب وطالبة بالإضافة الى توفير فرصة عمل لحوالي 30 ألف موظف فلسطيني، عملياً هذا سيتوقف، وعلى قلتها، لكن تلك الخدمات تساهم في التخفيف من الأعباء الإقتصادية الملقى على كاهل اللاجئين، وبالتالي يعتبر طلب هيلي الأخير خطوة إضافية في مسار منهجية التخلص من القضية السياسية للاجئين المتعلقة بحق العودة التي تعتبره الإدارة الأمريكية والكيان الاسرائيلي وحلفائهما العقبة الكأداء أمام مشروع التسوية وما يجري الحديث فيه عن “صفقة العصر”، وهو ما سيتحقق فعلاً إن لم يتم المبادرة إلى خطوات جادة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً – وخاصة من الدول المضيفة – يحسب لها حساب وتكون قادرة على لجم الإستمرار في هذا المشروع الخطير.

ففي مطلع العام 2017 مع وصول الرئيس الأمريكي ترامب الى السلطة، طلب الكيان الإسرائيلي من الإدارة الأمريكية قطع المساهمة المالية للأونروا التي تعتبر الأكبر بين الدول المانحة، وطلب نتنياهو شخصياً من السفيرة هيلي يوم 11/7/2017 بتفكيك “الأونروا” ونقل خدماتها الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وفي 4/8/2017 شطب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيوني داني دانون البند المتعلق بزيادة ميزانية “الأونروا” من جدول أعمال الجمعية العامة الذي يتحكم فيه – وفق صلاحياته – وكان من المتوقع أن يحظى البند بالموافقة والإعتماد من غالبية الدول الأعضاء، ودانون كان سفيراً لكيان الإحتلال في الأمم المتحدة، وعُين نائباً لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة سنة إبتداءً من 31/5/2017، ونقلت صحيفة معاريف العبرية في 8/9/2017 من أن مسؤولاً من وزارة الخارجية “الإسرائيلية” قام قبل أسابيع بزيارة الولايات المتحدة وعرض حلولاً لتغيير تفويض “الأونروا”، وأن وفداً “إسرائيلياً” سيتوجه في 9/9/2017 إلى أمريكا يرأسه نائبة وزير الخارجية تسيبي خوتوفيل وستلتقي هناك مع السناتور تيد كروز المسوؤل عن هذا الملف”.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2017 أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) عن وثيقة ادعت بأنها قانونية من 20 صفحة تحت عنوان “توجيهات وإرشادات حول الحماية الدولية” تتضمن 50 توصية تعرض فيها إلغاء وكالة “الأونروا” بحجة عدم حصول اللاجئ الفلسطيني على المساعدات الانسانية والحماية من الوكالة، وتقترح خطوات إستيعاب خدمات اللاجئين الفلسطينيين فيها بدل الوكالة، وباعتقادي أن الوثيقة سياسية وبعيدة كل البُعد عن الموضوعية القانونية وتخدم الرؤية الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بقضة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وربما الأخطر عدم وجود – حتى الآن – مواقف من الوثيقة سواء فلسطينية رسمية أو عربية أو إسلامية أو من الدول المضيفة ترتقي الى مستوى الحدث التاريخي وهو ما ينذر بالأخطر.

إقرا ايضا: علي هويدي لـ«جنوبية»: من يستهدف الاونروا إنما يستهدف اللاجئين

ارتبط قرار تأسيس “الأونروا” رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949 بالقرار 194 لسنة 1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادت الممتلكات، فقد تضمن القرار في ديباجته والفقرة الخامسة والفقرة العشرين الإشار إلى تطبيق القرار 194، مما يعني بأن حل “الأونروا” مرتبط بتطبيق حق العودة. إنقاذ “الأونروا” مسألة سهلة إذا توفرت الإرادة السياسية للدول المانحة وبكل بساطة ومن دون مبالغة ربما واحد في المائة فقط من ميزانية مما يُدفع على الحروب في العالم كفيل بأن يغطي العجز المالي للوكالة ويزيد. الفوضى الأمنية التي سيسسببها عدم إنقاذ “الأونروا” بتكريس ارتفاع نسبة البطالة والفقر والأمية والمشاكل الإجتماعية، ستنعكس سلباً ليس على اللاجئين الفلسطينيين وحدهم، بل كذلك على منطقتنا العربية والإسلامية وعلى منظومة المجتمع الدولي التي ستتحمل المسؤولية، والمنطقة بالتأكيد لا تحتمل المزيد من الإنتكاسات.

السابق
القضيتان الفلسطينية والسورية
التالي
في إيران…نظام كبقية الأنظمة!