تحليل: ولاية الفقيه وأسئلة جيل إيراني جديد

مصطفى فحص

لم تتأخر حركة الاحتجاجات المطلبية التي انطلقت في إيران نهاية الشهر الماضي في التعبير سريعاً عن موقفها السياسي من النظام، فقد فاجأ المحتجون الشباب الجميع بسرعة بلورة موقفهم العقائدي والاجتماعي والثقافي من سلطة ولاية الفقيه بعد مطالبتهم العلنية بإلغائها وبرحيل المرشد عن السلطة.
موقف المحتجين الواضح والصريح يمثل زلزالاً ايديولوجياً غير مسبوق في التاريخ السياسي الحديث لإيران، باعتبار أن النمط المتبع في هرمية السلطة في إيران منذ مئات السنين يقوم على فكرة وجود القائد الأعلى للدولة والمجتمع بصلاحيات فوق الدستور والقانون، إضافة إلى إضفاء شرعية، إما قومية وإما دينية، على الحكام.
تشكلت سلطة الفرد المطلقة في إيران مع الصفويين ثم القاجاريين، وصولاً إلى البهلوية وانتهاء بولاية الفقيه. وتمكنت هذه السلطة من التعايش مع أجيال عدة عاصرت الثورة، بداية بالجيل الذي عايش اندلاعها ثم الحرب مع العراق، ومثل مرحلة الاندماج ما بين الثورة والدولة، ثم جيل ما بعد الخميني الذي راهن على مرحلة الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني والذي لم ينجح في تقديم فكرة الدولة على الثورة في السلطة، وتبعه جيل الاخفاقات والذي عُرف بجيل “الحركة الخضراء” الذي كان آخر جيل حافظ على بعض القواسم المشتركة مع أجيال الثورة الأخرى.

إقرأ أيضاً: إيران غير مستعدة بعد للتحرر من سلطة «المرشد»

أما الصدمة الحالية فتتمثل بكشف الاحتجاجات عن جيل جديد يعبر عن قطيعة كاملة مع الماضي ولا يؤمن بفكرة تحقيق تغيير في السلطةمن داخلها، وهو في غالبيته دون سن الخامسة والعشرين، وقد خرج إلى الشارع بعد أن فقد الأمل بحياة كريمة وتيقن من انعدام فرصة الشراكة في صناعة مستقبل بلاده. لذلك من الطبيعي أن يشعر هذا الجيل بغربة كاملة عن نظامه ودولته، ويتحول إلى المرآة التي تعكس المأزق العقائدي الذي يعيشه النظام وإخفاقه في إقناع مواطنيه، خصوصاً الجيل الجديد بالقبول بنظام ولاية الفقيه والتسليم بحدود شراكته في السياسة تحت سقف المرشد وسلطاته. لذلك انقض المحتجون على فكرة القداسة للسلطة التي أراد أن يفرضها النظام، وأعلنوا ضرورة رحيلها باعتبارها عائقاً أمام طموحاتهم.

إقرأ أيضاً: هل تهرب إيران من أزمة الداخل إلى حروب في الخارج؟

كشفت شعارات انتفاضة الجياع عن انقضاء الحاجة إلى ولاية الفقيه كطرح عقائدي يؤمّن وحدة المجتمع الإيراني، كما انتهت في السابق الحاجة إلى الشاهنشاهية كمرتكز لوحدة الدولة والمجتمع. فهذا الجيل الذي خرج بداية لدوافع مطلبية، مُجمع على الحاجة إلى دولة ديمقراطية عصرية تحترم الدستور، بعدما تحولت ولاية الفقية إلى عامل انقسام عامودي في المجتمع، وباتت تمثل أقلية مؤيدة منتفعة تواجه أغلبية جائعة.

السابق
حزب الله احتجز أجنبين في حارة حريك بعد الإشتباه بهما
التالي
سقط وهم النموذج وبات الاستبداد سافراً