بحثا عن لبنانيتنا

فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

كلما استوطن اللبناني في طائفيته او مذهبيتة، كلما ضاق مفهوم المواطنة وصار عرضة للتلاشي، ولأن المذهبية او الطائفية عاجزة عن فتح افق انساني او وطني امام المجتمع والمواطنين، فان ما تقدمه العصبيات المذهبية ليس سوى تعميم منهج التكفير وقمع التفكير باعتباره من سمات الانسان الذي ميّزه عن بقية الكائنات على هذه الأرض.
التكفير في مؤداه الفكري والاجتماعي في بلادنا، هو الغاء لكل مختلف في العقيدة او في الرأي ، وهو في جوهره تعبير عن عجز او جهل، عجز عن مواجهة التحديات بافق انساني معني بكل البشر، او وطني معني بكل المواطنين، وهو ايضا جهل بمقومات المجتمعات والدول التي لم يكن التنوع الديني او المذهبي او الفكري، الا نتاج تراكم اجتماعي وثقافي وسياسي على امتداد القرون الماضية.

إقرأ أيضاً: طريق القدس بين الجد واللعب

من هنا فالتكفير في مجتمعاتنا العربية ليس ظاهرة دينية فحسب، بل هو نتاج بِنية تفكير تسيطر على العقل السياسي العربي، بنِية تفكير نابذة للاختلاف وادارة هذا الاختلاف بقواعد الديمقراطية وشروط الدولة الحديثة. وهي ناشئة في البعد الفكري، عن خلل منهجي يتمثل في اضفاء القداسة الدينية، على الخيارات السياسية، ذلك ان اضفاء القداسة الدينية على ايّ خيار سياسي هو تكفير لكل من يخالفه. وهذا المنهج طالما رسخته في عالمنا العربي والاسلامي سلطات الاستبداد التي عملت دائما على اضفاء القداسة على سلوكها وخياراتها السياسية والاجتماعية، في سلوك، الغاية منه منع المعارضة وحق الاختلاف أو النقد والاعتراض.

التكفير في جوهره الغاء للآخر في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية، من هنا ليس نظام بشار الاسد الا نظاما تكفيريا في جوهره، انطلاقا من نزعة الغاء الآخر المتأصلة فيه، وتنظيم داعش ليس الا نتيجة لهذه النزعة والتي انتجت مايشبهها ويغذيها. داعش هو الوجه الآخر، لكنه ايضا نتيجة وردة فعل. صحيح ان هذا التنظيم تكفيري لكنه في جوهره لا يختلف عن النموذج الذي يقابله، قد يكون الاختلاف في الشكل او الاسلوب لكن ليس في المضمون الذي يقوم على نفس المنهجية التي تدعي احتكار الحقيقة السياسية وتكفر ما عداها سياسيا واجتماعياً.

إقرأ أيضاً: من يستنجد بمن؟ نحن أم القدس؟

خطر التكفير يهدد لبنان ليس لأن التنظيمات الارهابية تهدد لبنان اليوم، بل لأن منهجية مقاربة التحديات التي تواجه لبنان تتم من قبل السلطة بعقلية فئوية، عقلية تريد الولاء الكامل، فالسلطة الحاكمة بكل مكوناتها في لبنان لا يستقيم وجودها وشرطه، كما تظهر سياساتها اليوم الا بتغييب المعارضة، بل بالغائها وتكفيرها.

شكرا لاستماعكم.. والسلام

 

السابق
سوتشي… نهاية مسارات وبداية أخرى
التالي
أحد منفذي عملية السطو المسلح على مصرف فرنسبنك في قبضة الأمن