فتوى السيستاني: دور سليم في الزمن الخطأ

يوما بعد يوم تكرس مرجعية النجف وعلى رأسها سماحة المرجع السيد علي السيستاني دورها الفاعل والحاضر بقوة على الساحة العراقية، فبعد فتوى النفير العام والجهاد لمحاربة داعش التي كانت وصلت على مشارف بغداد وما كان لهذه الفتوى من أثر كبير في حث الجماهير لحمل السلاح والجهاد في سبيل الله مما ساهم بشكل كبير بهزيمة داعش والقضاء عليها .
تتصدر الآن فتوى ضرورة حل الحشد الشعبي وكل الفصائل المسلحة وحصر السلاح تحت سلطة المؤسسات الرسمية بقيادة قائد القوات المسلحة الرسمي ( رئيس الوزراء )  فقط، والظاهر أن الأمور في العراق تنحو بهذا الإتجاه ( حصر السلاح )، وبمباركة إيرانية من دون اللجوء هذه المرة الى إستنساخ المعادلات اللبنانية ( جيش – شعب – حشد )، يساعد بذلك ظروف دولية واقليمية ليست هنا محل نقاشها .

إقرا أيضاً: السيستاني لـ«حصر السلاح في يد الدولة» في العراق.. ماذا عن لبنان؟

وإن كنا نسلّم بهذا الدور الفاعل ونرى فيه مساهمة ضرورية لحل مشكلات عراقية كبرى، ولا نرى بهذه الفتاوى إلا ما يخدم المجتمع العراقي والدولة العراقية، إلا أنه لا بد هنا من تسجيل حذر شديد الخطورة يتعلق بالأسس البنوية لمبدأ قيام الدولة الحديثة، والقواعد الفكرية التي يجب أن تبنى عليها، خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن لا الدفاع عن العراق ومحاربة داعش يحتاج إلى فتوى،  ولا بديهة من بديهيات قيام الدولة وحصر السلاح فيها أيضا يجب أن يستند إلى فتوى أو رأي مرجعية .
بل يجب أن ينطلق كل هذا وذاك بخلفية وطنية محض، ويستند فقط على مفهوم ضرورة تطبيق مندرجات قيام الدولة بالمعنى الحديث للكلمة، فبقدر ما تشكل فتاوى السيد السيستاني من خطوات مهمة وفاعلة في إطار ترسيخ السلم الأهلي وحل المعضلات الكبرى، إلا أنها ترسخ في ذهن المواطن العراقي الشيعي بأن مرجعيته الدينية هي التي ترسم له طبيعة حدود علاقته مع دولته في حين أن الدستور والقوانين والعقد الإجتماعي هو الذي يجب أن يشكل المرجعية الطبيعية بالخصوص في المجتمعات المتعددة المذاهب كالعراق.

إقرا أيضا: موقف السيستاني يقوض ثنائية «الدولة- الميليشيا» الإيرانية

لا شك بأن السيد السيستاني وهو المرجعية التي لا تؤمن بفكرة ولاية الفقيه، واستمر لسنوات طويلة لا يتدخل بشكل مباشر بالشؤون السياسية العراقية، ومعروف عنه  إبتعاده عن  أي محاولات إستغلال لموقعه من قبل السياسيين فيرفض استقبال مرشحين للإنتخابات ولا يبدي أي رأي سياسي قد يفهم منه تأييد أو إعتراض للتشكيلات السياسية الموجودة، فقد أجبرته الظروف وأملت عليه هذا التدخل في الفترات الاخيرة .
صحيح أن الدور الذي تضطلع به مرجعية النجف حتى الآن هو دور ضروري ومستحب، إلا أن من الخطأ القاتل هو إستبدال نظرية ” ولاية الفقيه ” بنظرية ” ولاية المرجعية ” عمليا، لأن هذا لا يعني بنهاية المطاف إلا رجوع بالعراق للقرون الوسطى في زمن لا حياة فيه إلا للدول الحديثة، واذا ما اعتبرنا أن وجود السيد السيستاني الآن قد يشكل ضمانة لعدم الإنزلاق في أتون تمذهب الدولة، فما هي الضمانة بعد غيابه ( أطال الله بعمره )، وهنا تكمن وظيفة النخب العراقية الشيعية لمساعدة السيد السيستاني وإنقاذه من الغرق بما لا يريده، قبل فوات الاوان .

السابق
السعودية تُبيح السينما من جديد والناشطون يغردون!
التالي
محاولة تفسير يائسة لمشهد حميميم