ماذا يبتغون من علي وبنيه؟!

الإمام الحسين

اتفقت كُتب مؤرخي المسلمين كافة على التشرف بعلي بن أبي طالب (اغتيل 40هـ)، وعلى حبه وآل بيته، رغم الافتراق المذهبي، والاختلاف في إمامته بين أن يكون الأول أو الرابع، وصياً إلهياً أو مُنصباً مِن أهل الحل والعقد. لم يضع اسمه ضمن الأذان، بعد التوحيد والنبوة، بل اتفق الفقهاء، شيعة وسُنة، أن لا وجود للشهادة الثالثة (الولاية)، ولم يضع اسمه ولا رسمه على راية، ولم يتفاخر بثقافة الموت، مثلما تُطلب باسمه الشهادة اليوم، حسب ما يرد على ألسنة تجار الموت. لم يقل إنه خُلق من نور قبل آدم، ولا يعلم بالغيب أو له معجزات، ولا شأن له بالعراك الطائفي، فمن بين أسماء أولاده: أبو بكر وعمر وعثمان.

لم يطرح نفسه حلاً لمشكلات كل زمان ومكان، بل الإسلام كافة لم يضع نفسه بهذا الموضع، والحديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (صحيح مسلم، كتاب الجهاد) يُغني عن المقال. هذا هو علي في المتفق عليه.

أما علي على أفواه الإسلاميين والعوام، غير الذي ذكرنا، تُستأنس بسيرته العقول والقلوب، إنما نراه علياً آخر تماماً، يُحرَّض باسمه طائفياً، وصوره وصور بنيه معلقة في مجالس الولائم الباذخة، وفي صدور المواكب، وفي مظاهرات التأييد لهذا الزعيم أو ذاك يُطلق الهتاف: «علي وياك (معاك) علي»!

عندما أسس سياسي حزبه تخيل نفسه علياً يخطب من فوق منبره: «إن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت»، ومقولة عليٍّ: «وما أردتُ إلا الإصلاح..» (نهج البلاغة، كتاب 28). كذلك تمثل سياسيٌّ آخر نفسه علياً مجاهداً في السقيفة: «لأُسْلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ما لم أعلم فيها ظلم إلا عليَّ خاصة» (نهج البلاغة، خطبة 74).

لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد في توظيف المقدسات، بل إن رئيس كتلة نيابية شبَّه ما يحصل لأمين حزبه مع رافضي رئاسته لكتلة كبرى، في البرلمان العراقي، بما قُص عن «السقيفة»، وعليٌّ معني في الأمر: «لا تُجمع النبوة والخلافة لبيت واحد»، والعبارة أوردها الطَّبري (ت 310هـ): «كرهوا أن يجمعوا لكم النُّبوَّة والخلافة» (تاريخ الأمم والملوك)، لكن إذا كانت العبارة قيلت في حوار بين عمر بن الخطاب (اغتيل 23هـ) وعبد الله بن عباس (ت 68هـ)، فنراها تُطرح بين الإسلاميين اليوم وداخل الكتلة الشِّيعية نفسها! فتصوروا مدى التوظيف لشخص علي، والعودة لما قبل أكثر من (14) قرناً! وحينها لم يكن عمر سُنياً ولا ابن عباس شيعياً، وفق مفاهيم عصرنا.

إقرأ أيضاً: في الموصل an orgy of killing

قبل هذا، أسدوا لمن سقطت الموصل في عهده درجة النبوة، فبرروا ما حصل للموصل بما وقع في معركة «أُحد»! وإذا أردنا تتبع إسقاط الماضي على الحاضر في خطاب الإسلاميين نجد العجب العجاب، فحسب مصطلحاتهم نجد كل واحد منهم غداً «رسالياً»، و«داعيةً». ليس لديهم خطاب سياسي خارج حوادث القرون الخوالي، أولاً، لأنهم لا يملكون غير تلك اللغة والمفردات، وثانياً لأنهم يجدون فيها قوة التَّأثير، ونرى المتشبثين بربط أنفسهم وسلوكهم بعليٍّ وبنيه لا يعني سوى الاستخفاف بالعقول.

يروي الزَّمخشري (ت 538هـ) بأن علياً الرِّضا (ت 203هـ) قد نهر أخاه زيد بن موسى بعد سفكه للدِّماء، واستحصال الأموال بالباطل، وكان عذره أن حديثاً مروياً يقول بتحريم النار على ذرية السيدة فاطمة، فقال له: «هذا لما خرج من بطنها الحسن والحُسين، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله» (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار). وقياساً لا منزلة مقدسة تستورث مهما بلغ الوهم بها، كلٌّ له عمله.

ربما يعترض أحدهم: ألم يتشبث السابقون بنسب علي؟ ونحن نسأل: مَن مِن هؤلاء ادَّعى بالديمقراطية؟! وعلي وبنوه أنفسهم حسب ما تأسس من عقيدة لدولتهم أنها إلهية، وغياب وظهور آخرهم بأمر رباني، لذا يُكذب مَن يدعي التمهيد له بجندٍ أو ثورة. هذا، وعقيدة التوريث لا تقرُّ بحكم الشعب أساساً، فوفق فكرة «المعاد الجسماني» (المُظفر، عقائد الإمامية) أن الأئمةَ سيرجعون جيلاً بعد جيل ليتوارثوا الحُكم، والديمقراطية في حل من الفكرة.

إقرأ أيضاً: الأكراد وقد صاروا قتلة الحسين بن علي!

أرى الغرور بالسلطة لدى هذه العينات سيتطور إلى تخيل أحدهم حاملاً سيف علي بصفين (37هـ)، وهذا أمر محتمل بعد أن شُبه سقوط الموصل بـ«أُحد» (3هـ)، وتشبيه رفض الرئاسة لأحدهم بالسقيفة (11هـ)، وتحدي الخصوم بشعار «مختار العصر»، واستعارة لقب النبي موسى «القوي الأمين».

أقول: «وفق ما تقدم يبدو العراق يُحكم بأنبياء وأئمة، لا بما نرى ونسمع من كائنات! ولابن أبي السِّمط: «أضحى إمامُ الهدى المأمون مشتغلاً/ بالدِّين والنَّاسُ بالدُّنْيَا مَشَاغِيلُ». إلا أن المأمون (ت 218هـ) لم يرتح للمديح، فقد جعل منه «عجوزاً في محرابها» (ابن طيفور، كتاب بغداد)، وهو صاحب همةٍ في دولته. فماذا يبتغون مِن عليٍّ وبنيه غير بقاء الحال على ما هو عليه، لهم العِيرُ والنَّفيرُ.

السابق
مجلس الوزراء أقرّ رخصتي استكشاف النفط…والتنقيب عام 2019
التالي
إبنة الـ 15 عاما تنتحر في منزلها الزوجي في عكار