من يستنجد بمن؟ نحن أم القدس؟

فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

مباشرة وبصراحة، لم يبق أحد على ما أظن في لبنان والعالم العربي لم يرفض او يدين القرار الأميركي الذي صدر عن الرئيس دونالد ترامب، بشأن نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، ويمكن ان نضيف الى هذه الادانات مواقف دولية واقليمية ومسيحية واسلامية سجلت مواقف اعتراضية او رافضة للقرار الترامبي.

بالنسبة لي انحني بشرف أمام كل اعتراض او صرخة احتجاجية فلسطينية ومقدسية، أمام كل موقف احتجاجي عبّر ولا يزال عن نفسه في طول الأراضي المحتلة وعرضها، وفي القدس ذاتها، لكنني أُشكّك بهذه المواقف التي تنهال علينا عربيا واسلاميا، اشكك ليس من موقع الادانة لحق الاعتراض وحرية التعبير ولا لحق كل انسان ان يقول في الاهانة الاميركية مايشاء من هجاء لترامب وادارته، او من مديح لكل من رفع الصوت والسيف اعتراضا.

ما ينغص عليّ ايامي وربما ايام بعضكم، هو هذا الهروب نحو القدس وفلسطين، نعم هو هروب ممزوج بمحاولة تبييض الجرائم التي ارتكبناها ولانزال ضدَّ مجتمعِنا ودولِنا واجتماعِنا السياسي.

معظمنا في لبنان، لا يريد ان يدفع مجددا ضريبة احتلال فلسطين، ولا يريد العودة الى صيغة الحدود المفتوحة مع العدو الاسرائيلي في سبيل تحريرها، وذلك انطلاقا من التجارب الماضية المؤلمة التي دمرت لبنان ولم تحرر فلسطين.

اليوم لسنا امام نفس التجربة، نحن امام مشهد اشدُّ قساوةً وأكثر لؤماً، ليس الفلسطينيون اليوم هم من يطالبوننا بفتح الحدود والسماح لهم ولغيرهم بالتدفق نحو فلسطين فَرادى وجماعاتٍ، من أجل تحرير فلسطين، ولا أبناء القدس هم من يدعوننا لاطلاق ما لدينا من صواريخ باتجاه تل أبيب او نحو حيفا وما بعد حيفا.

إقرأ أيضاً: القدس تعزل ترامب

ان ما تدركه اسرائيل نفسُها ويعلمه عِتات الادارة الاميركية، وندركه في اعماقنا ولا نجرؤ على البوح به، هو اننا اليوم امام حقيقة مؤلمة هو اننا نريد الاستنجاد بالقدس، لكي نستكمل دورة عنفنا الأهلي، نريد القدس لنعيد تبييض جرائمنا، باعتبارها فرصة لإظهار كم نحن مخلصون لمبادئنا، نحن نستنجد بالقدس وفلسطين للتغطية على الجريمة التي كنا شركاء في ارتكابها ضد الشعب السوري، نحن نريد القدس ونستنجد بها لنمنع قيام الدولة، نريد قضية عادلة، لنغطي على جريمة الفساد التي نرتكبها بحق المال العام. نستنجد بالقدس لتبرير بقاء السلاح خارج سلطة الدولة، لاستجلاب الاستعراضات الفارغة باسمها على حدودنا مع فلسطين المحتلة. نستعين بالقدس باسم التضامن مع مآسي شعبها، لنبرر استمرار مآسي شعوبنا التي نحن ارتكبناها ونريد ان نحملها للعدو الصهيوني، وللمؤامرات الاميركية والغربية والاستعمار والاستكبار.

إقرأ أيضاً: طريق القدس بين الجد واللعب

نريد القدس ونتخفى خلف جراحها، لنغطي ما ارتكبناه من قتل وايذاء وانتهاكات للشريك في الوطن للانسان، ضد قضايا العدل والحرية، ونطالب عدونا بأن يكون رئيفا بالقدس وبالشعب الفلسطيني، فيما انظمتنا وحكامنا الذين يتنافسون في الخطابة من اجل القدس، يستنجدون بالقدس لتأبيد انظمتهم المستبدة وترسيخ سلطانهم، وتشريع ظلمهم ضد شعوبهم.
ايتها القدس كم من الجرائم ارتكبت ولا تزال ترتكب باسم قداستك. وكم من الكذب الذي يضج في اسماعنا عن الغضب الساطع من اجلك.
التضامن مع القدس يبدأ من قدرتنا على التضامن مع الحق والعدل والقانون في اوطاننا، من عدم رفع شعار فلسطين والقدس كوسيلة لتبييض فسادنا واجرامنا بحق دولنا واوطاننا ومجتمعنا.

السابق
الأمن العام يحذر من الوقوع في فخ جهاز الموساد الإسرائيلي!
التالي
ثمرة المحاصصة بين «التيار الحرّ والمستقبل»: توظيفات من خارج المدينة!