هدوء خطاب نصرالله المريب حول القدس

ربما البعض كان ينتظر خطاباً ثورياً من أمين عام حزب الله بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كأن يبدأ بتنفيذ الشعار الأكثر شهرة إيرانياً ولدى حزب الله، الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل زحفاً زحفاً نحو القدس. لكن كان الخطاب مأسوراً بهدوء فاجأ هذا البعض.

المفاجأة في خطاب الأمين العام لحزب الله كان الهدوء الذي اتسم به الموقف من الإعتراف الأميركي الكامل بالقدس عاصمة لإسرائيل، بإعلان الرئيس الأميركي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. الهدوء في النبرة وفي رد الفعل “المدني” ليس قياساً بالمواقف الرسمية العربية أو الإسلامية والدولية، بل قياساً لما عهده جمهور حزب الله والمتابعين لخطابات أمينه العام، حين يتصل الأمر بشأن القدس وتهويدها والاحتلال الاسرائيلي والمقاومة طيلة العقود الماضية، لاسيما أنّ القدس شكلّت منذ نشأة حزب الله ومنذ بدأت الثورة الإسلامية الإيرانية التبشير بثورتها في العالم العربي والإسلامي قضية محورية في الخطاب الإيراني التعبوي وامتداده حزب الله، فالقدس هي الباب الذي نفذت من خلاله نحو العديد من البيئات العربية والإسلامية.
أمين عام حزب الله لم يكن كما توقع الكثير من متابعيه، فالمسّ بقضية القدس، يفترض في سياق الخطاب المعهود لحزب الله اتجاهها، أن يصدر عنه موقفاُ يعكس تطوراُ في الرد يتناسب مع الحدث، لم يهدد نصرالله اسرائيل، ولم يلمح إلى أيّ مس بالمصالح الأميركية، لم يدعُ الفلسطينيين إلى ماكان يدعوهم في أحداث أقلّ أهمية من مشهد القدس اليوم، لكن الشيء الثابت والذي لم يحد عنه، هو عدم الاندماج مع التحركات الفلسطينية التي أطلقتها السلطة والفصائل كحملة شعبية وسياسية والمستمرة إلى يوم الأحد، اختار يوم الإثنين كموعد لتظاهرة ستجري في الضاحية الجنوبية، أيّ في الحيّز الخاص لحزب الله، لم يدعُ إلى تحركات شعبية على طول الساحة اللبنانية وعرضها، ربما عوض عن ذلك بالدعوة إلى حملات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ضد القرار الأميركي.
يبقى أنّ هذه النبرة الهادئة، وغير المعهودة في مثل هذه المواقف لدى السيد نصرالله، تؤكد إلى حدّ بعيد، أنّ الأولويات لدى حزب الله لا ترتبط بموضوع القدس ولا الفلسطيني على وجه العموم، وبالتأكيد ليس لأنّ الأولوية لدى حزب الله اليوم هو لبنان، بل يمكن رصد الأسباب الفعلية التي تكمن في المجريات السياسية الإقليمية، أي مستقبل سوريا واليمن بالدرجة الأولى.

ثمّة قرار اسرائيلي واضح بمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، سياسياً وعسكرياً، وهذا ما يحظى بغطاء نسبي روسي، وبمباركة أميركية، وفي الأيام القليلة الماضية، يؤكد خبراء عسكريون بأنّ اسرائيل تشن ما يشبه الحرب على إيران وأذرعها في سوريا، لقد استهدفت اسرائيل منشآت عسكرية إيرانية قرب دمشق وفي شمال حلب، بصواريخ جو أرض، ذات بعد تدميري. التطور العسكري الإسرائيلي في سوريا، انتقل من مرحلة ضرب مخازن أو قوافل تنقل سلاح من سوريا إلى لبنان، إلى ضرب منشآت إيرانية ولحزب الله في سوريا. وتتم هذه الضربات في ظلّ صمت من قبل إيران وحزب الله، إلى حدّ أنّ بعض المعلقين الاسرائيليين، فوجئوا بأنّ إيران وحزب الله، باتوا يعتمدون أسلوب نظام الأسد في الرد على الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية سورية. عدم التصعيد الإيراني ولا سيما حزب الله، يأتي في هذا السياق الذي يجعل من القدس عنواناً ثانوياً بالقياس إلى مستقبل الوجود الإيراني في سوريا.

إقرأ أيضاً: نصرالله على مشرحة مواقع التواصل: طريق القدس تمرّ عبر«تويتر» و«فيسبوك»!!

التطور في اليمن بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ينذر بتحولات داخل اليمن، وإيران كما حزب الله يدركان أنّ الموقف الأميركي وحتى الأوروبي، ليس لصالح السعودية، التي تتجه لدعم خيار الزحف نحو صنعاء، فيما الموقف الأميركي حذر من خلال وزارة الخارجية الاميركية من استغلال مقتل صالح من أجل تصعيد الموقف العسكري، فيما الدعوات الأوروبية مستمرة من أجل فك الحصار عن اليمن والعودة الى طاولة الحوار. حزب الله كمعبر عن الاستراتيجية الإيرانية على حدود اسرائيل، لا يريد أن يخلّ بالمواقف الأميركية والدولية في الإقليم العربي.

إقرأ أيضاً: نصرالله يدعو للتغريد ضد ترامب لعودة القدس عربية!!

خطاب نصرالله ليس خطاباً منسجماً مع مواقف سابقة لحزب الله، هو موقف رفع العتب الذي يؤكد مجدداً أنّ الاعتبارات الايرانية في الإقليم العربي، ليست أولويتها القدس، بل توفير شروط دولية وأميركية تساهم في تشريع هذا النفوذ، حيث يستطيع المراقب أن يرى بوضوح كيف أنّ الاستراتيجية الأميركية والمتقاطعة مع روسيا واسرائيل، على ثابت هو منع عودة النظام الإقليمي العربي، وفي نفس الوقت منع إيران من مد نفوذها والسيطرة بالكامل.
هذه الوضعية الاستراتيجية أتاحت للرئيس الاميركي أخذ قرار نقل السفارة الاميركية إلى القدس، لإدراكه أنّ الدول العربية غير قادرة على فعل شيء في مواجهة هذا القرار بسبب ما تعانيه كل دولة من تحديات تفوق بأهميتها لهم القدس، وليقينه أنّ إيران وأذرعها في المنطقة اولوياتها في مكان آخر، ولعلّ خلاصة خطاب امين عام حزب الله أثبتت للجميع أنّ فلسطين والقدس ليست في صلب اهتمام حزب الله ولا قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

السابق
قاسم سليماني وساحة القدس الجديدة…
التالي
برّي: من يتجرأ على القدس يتجرأ على لبنان