بريطانيا وثمن الخروج من الإتحاد الأوروبي

خالد العزي
أزمة حقيقية تعيشها بريطانيا بسبب التفاوض مع الاتحاد الاوروبي، لجدولة ديونها التي يجب ان تدفع ثمنا للخروج الآمن من الاتحاد بحث بات قريبا تنفيذها بحسب الاتفاق بين الاتحاد والمملكة في 19 اذار 2019.

كان التصويت على “بريكس” هو عبارة عن احتجاج ثلاثي كما روجت له قوة الضغط البريطانية التي تقوم على ثلاثة نقاط: (معارضة الهجرة غير الشرعية، ضد المصرفيين في استباحة مدينة لندن وضد مؤسسات الاتحاد الاوروبي)، وهذا الترتيب سوف يترك عواقب وخيمة على البلد.

إقرأ ايضا: العزيّ: إيران تهدف الى السيطرة على الكتلة السنيّة الكبرى في المنطقة

اذا كلمة “بريكس” هي اختصار لكلمتين هما بريطانيا والخروج معا لتعني خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الاوروبي. لكن الانسحاب من الاتحاد كان هدف للعديد من الاشخاص، وجماعات الضغط، والاحزاب السياسية، منذ انضمام المملكة في العام 1973 الى السوق الاوروبية المشتركة الذي نتج عنها الاتحاد تمت الموافقة على استمرار المملكة في الاتحاد بعد استفتاء في العام 1975 بنسبة 67% من الناخبين، لكن في الاستفتاء الذي اجرى في حزيران 2016، صوت 52 من الناخبين البريطاني لصالح مغادرة الاتحاد الاوروبي، مما نتج عنه بدء عملية معقدة لانسحاب المملكة.

مفاوضات شرسة وصعبة تخوضها رئيسة وزراء بريطانيا مع الاتحاد الاوروبي لتأمين خروج سالم من الاتحاد دون اية خسائر تذكر ضمن مفاوضات اطلق عليها اسم “بريكس”، لكن الاتحاد الاوروبي يطالب لندن بتسديد قيمة الديون المالية المترتب عليها تسديدها والمقدرة بين الخمسين والستين مليار يورو لكي تبدأ المفوضات الفعلية بين الجهتين.

تحاول وزيرة الخارجية ادارة مفاوضات شرسة مع رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك لتذليل عقبات موضوعة في المفاوضات بين الطرفين حيث عرضت الوزيرة الاولى مبلغ 20 مليون يورو على الاتحاد لفك قيدها واعتاق سبيلها، لكن الاتحاد مصر على تسديد قيمة المبلغ المذكور حتى بداية عام 2019.

وبالتالي يطلق المرحلة الثانية، والتي تضمن مصير ثلاثة مليون اوروبي مقيم في الاتحاد وكيفية ادارة العلاقة بين مواطني الاتحاد في ايرلندا الشمالية وايرلندة البريطانية ،والاتفاق على اجراء استفتاء جديد في أسكوتلندا التي يطلب شعبها بالاستفتاء والانضمام الى الاتحاد الاوروبي والانفصال عن المملكة.

لم يدرك اصحاب نظرية الخروج من الاتحاد الذين نظموا الاستفتاء تحت شعارات وهمية ادت بنجاح مخططهم القاضي في الانفصال عن اوروبا، سيواجهون مشكلة الديون والاستثمارات التي لم تبحث في طروحاتهم والتي ستبعد عن مملكة الضباب لتجد اماكن جديدة بديلة في العالم لان راس المال جبان ويريد مناطق هادئة.

بالطبع هؤلاء المتطرفون نجحوا بالانفصال لكنهم لم يعطوا اهمية للاقتصاد والتبادل التجاري والاستثمارات الأوروبية وحتى لم تكن لديهم خطة في تسديد الديون المتوجة على المملكة من تسديدها بسرعة لأوروبا قبل ان تتحول الى اشكالية في العلاقات بين الكيانين المنفصلين.

اوروبا لا تعاقب بريطانيا وشعبها على خيار تم اتخاذه من قبلهم حيث انتصرت فيه الديمقراطية بفارق بسيط جدا اي بحوالي واحد ونصف بالمئة من نسبة المقترعين وهذا يشكل ازمة كبيرة للذين لم يطالبوا بالخروج.

اوروبا تتعامل مع بريطانيا ومؤسستها بحسب الاعراف والقوانين الدولية المتبعة من اجل الوصول لحل الازمة والخروج منها بسلام وفقا لشروط الطرفين، لكن الامور باتت تتعقد تدريجيا بسبب عدم قدرة لندن من تسدد ديونها امام الفريق الاخر.

لكن مشكلة الديون وتسديدها ستلقي تقلها على الشعب البريطاني بشكل عام، والدولة وخزينتها بشكل خاص، مما سيعكس سلبا على الاقتصاد البريطاني سيعاني من ركود قادم يمنع تحرير التجارة مع دول الاتحاد الاوروبي التي عرضت على المملكة اقامة مناطق تجارية مشتركة بين الطرفين تؤدي الى بناء شراكة تجارية ومالية جديدة بين الاتحاد والمملكة من خلال العلاقات التجارية والاقتصادية السابقة.

إقرأ ايضا: العزّي: مشكلة السعودية مع السيسي وليست مع مصر

وبحسب القراءة الاولية للأوضاع فان بريطانيا معنية بتحسين علقتها مع الاتحاد لأنها هي صاخبة فكرة الخروج ولأنها لم تجد طريقا اخرا لتسديد الفواتير للاتحاد الاوروبي، ولان الاتحاد الاوروبي عمق بريطانيا التجاري وملعبها الاساسي.

يبقى الامر متروكا على عاتق وعي القادة البريطانيين في كيفية ايجاد الحلول المناسبة للخروج من هذه الازمة المدمرة للطرفين دون خسائر كبيرة تقع على حساب اقتصاد لندن، بل يجب العمل على ابقاء باب العلاقات مفتوحا مع الاتحاد الاوروبي من اجل تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين والاحتيال الفعلي على ازمة الديون التي ستضع بريطانيا في عنق زجاجة.

* كاتب وباحث اعلامي مختص بالشؤون الدولية

السابق
«غوغل» يسبق ترامب: «القدس عاصمة إسرائيل»
التالي
زياد عيتاني متَّهم، ليس طريدة