القدس العربية: من رحلة احتلالها الى رحلة ضمها وجعلها عاصمة لإسرائيل

حاولت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة تهويد القدس في بهدف طمس الهوية العربية الإسلامية التاريخية من هذه مدينة وإستحداث هوية جديدة ذات طابع اليهودي. وهذه لمحة عن تاريخ القدس.

بعد 22 عاما من التأجيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس إعترافه بـ القدس عاصمة لاسرائيل ما أثار غضبا عربيا ودوليا بتحدّيه العالم والقرارات الدولية  باعترافه هذا وقراره بنقل السفارة الأميركية اليها. وقد ندّدت العواصم العربية بالقرار وشهدت الضفة وغزة تظاهرات صاخبة، فيما حذر قادة دوليون من انعكاس هذه الخطوة على الاستقرار في المنطقة، واعتبروها ضربة لحل الدولتين ولمساعي السلام في المنطقة.

تعتبر مدينة “القدس”  أكبر وأقدم المدن الفلسطينية المحتلة،  وتُعتبر مدينة مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلام. وتعدّ هذه المدينة محض خلاف بين الفلسطينيين والعرب من جهة والاحتلال إسرائيلي من جهة مقابلة.

إقرأ ايضًا: قرار ترامب بجعل القدس عبرية يثير العالم ويغضب اللبنانيين والفلسطينيين

يعتبر  العرب والفلسطينيون عاصمةَ أبدية لفلسطين،  في المقابل يعتبرها الكيان الاسرائيلي عاصمته الموحدة، بعد ضم القسم الشرقي من المدينة الذي احتلته بعد حرب سنة 1967وضمته عام 1980 حين  أصدر الكنيست الإسرائيلي قرار أطلق عليه قانون القدس، والذي نص على أن القدس موحدة وعاصمة أبدية للدولة العبرية، والذي لم يحظ بأي اعتراف عالمي يذكر، سوى اعتراف الولايات المتحدة عام 1995 ودول قليلة أخرى، إلا أن الرئيس الأمريكي يقوم كل ستة أشهر بتأجيل قرار مصادقة الكونغرس على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. حتى أعنها ترامب أمس في 6 كانون أوّل.

ويعدّ النزاع القائم حول القدس مسألةً محورية في الصراع العربي الإسرائيلي منذ 1967، ولا تزال القدس الشرقية تعتبر  أنها منطقة متنازع عليها دوليا. ويدعو المجتمع الدولي بين الحين والآخر إلى حل هذه القضية عن طريق إجراء مفاوضات سلميّة بين إسرائيل  والفلسطينيين.

وقد بدأ النزاع على مدينة القدس منذ عام 1917، قبل انتهاء الحرب العالمية الاولى بعام، والتي إنتهت بهزيمة الأتراك واحتلال الدول الحليفة وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا لبلاد الشام التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية التركية.

وقد أصدر آنذاك  وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور وعده الشهير “بلفور” مع ممثل الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل، وقد  نص  الوعد على ” إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي ، وفي عام 1918 إنبثقت  اولى المنظمات الوطنية الفلسطينية، ومنها المنتدى العربي والنادي العربي.

وبعد عامين وفي مؤتمر سان ريمو الذي عقدته  القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى  (الحلفاء)  تم إقرار منح بريطانيا حق الانتداب على فلسطين “لإعدادها لتقرير مصيرها”. وإندلعت آنذاك  تظاهرات  وإحتجاجات  في القدس تنديدا بوعد بلفور.

وهنا دخلت القدس في مرحلة جديدة أبرزها تزايد إقبال أعداد المهاجرين اليهود إليها خصوصا بعد وعد بلفور وبحسب الإحصائيات آنذاك تبين  أن عدد سكان المدينة تزايد  من 52,000 نسمة سنة1922 إلى 165,000 نسمة سنة1948. وهو ما أدّى إلى إرتفاع أعداد اليهود في فلسطين عموما والقدس خصوصا، وقاموا هؤلاء  على شراء لأراضي والتملذك  بمساعدة البريطانيين لهم، وهو ما تسبب  بإستياء كبير من قبل المقدسيين، وهو ما أدّى بالتالي إلى إندلاع “تورة البراق”  بين 1920 و 1929 ، قُتل خلالها عدد من اليهود.

وقد حاولت بريطانيا عإخماد هذه الثورات، وتمكين اليهود من الإستقرار في القدس عن طريق بنائهم لأحياء سكنيّة كاملة في شمال وغرب المدينة، وإنشائهم لعدد من مؤسسات التعليم العالي، مثل الجامعة العبرية.

هذا وقد أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في عام  1947 بتدويل القدس تحت رعايتها وإشرافها. وقد تضمن  أن القرار ساري لمدة  عشرة أعوام، على أن يتم بعد ذلك  إجراء استفتاء لتحديد نظام الحكم. إلا أن هذا القرار لم يطبق  بعد  إعلان بريطانيا سنة 1948 إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، وفي هذه الفترة  فقامن العصابات الإسرائيية بإستغلال  حالة الفراغ السياسي والعسكري وإعلان قيام الدولة الإسرائيلية، هذا ما أثار غضب عربي  وفلسطيني  ترجم بإعلان  الحرب على إسرائيل، فتم مهاجمة المدينة من قبل الجيش العربي والثوّار الفلسطينيين،ما أسفر عن قتل عدد من الإسرائيليين وأسر البعض الآخر.

 

ومن أبرز نتائج حرب سنة 1948 بين العرب والإسرائليين تقسيم  القدس قسمين: قسم غربي تابع لإسرائيل، قسم شرقي خاضع للأردن.

ومنذ 1949 الى الخمسينيات شنّ  الفدائيون الفلسطينيون هجمات على اسرائيل من قواعدهم في مصر وقطاع غزة بتشجيع مصري.  وتصاعدت الهجمات بعد نجاح الضباط القوميون في الاطاحة بالنظام الملكي في مصر في عام 1952.

من 1956 الى 1957 تواطأت  اسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لغزو مصر عقب تأميم قناة السويس، لأسباب منها ايقاف الهجمات التي كان ينفذها الفدائيون، كما استقدام قوة دولية في سيناء وغزة تنجح الى حد كبير في الحد من الهجمات الفدائية على اسرائيل.

وفي عام 1959 أسّس الرئيس الفلسطيني الراحل  ياسر عرفات حركة فتح المسلحة في مصر لمهاجمة أهداف في اسرائيل.

1969 – ياسر عرفات يتولى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عقب اشتباكات اندلعت بين المسلحين الفلسطينيين والقوات الاسرائيلية في الاردن في عام 1968، ويؤكد استقلال المنظمة عن السيطرة المصرية.

وفي عام 1967 خاض العرب وإسرائيل حربًا أخرى  دامت ستة أيام انتصرت فيها الأخيرة، تمكنت اسرائيل فيها من احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية. تأسيس مستوطنات يهودية في كل هذه الاراضي المحتلة في السنوات التالية بموافقة الحكومة الاسرائيلية . وقد  عاد اليهود ليدخلوا دون أي قيود إلى أماكنهم المقدسة،، أما المسجد الأقصى وقبة الصخرة فاستمرا خاضعين للأوقاف الإسلامية. قام الإسرائيليون بهدم حارة المغاربة بعد دخولهم المدينة، بما أنها كانت تواجه حائط البراق الذي يتعبّد اليهود عنده، ولكي يجعلوا من الموقع ساحة لرفع الصلاة اليهودية.  وسعت إسرائيل  حدود المدينة بعد انتهاء الحرب وذلك عبر إقامة عدد من الأحياء السكنية والمستعمرات اليهودية شرق الخط الأخضر، وقد أقدمت إسرائيل منذ سنة 1967 بمحاولات عديدة تهدف إلى تهويد المناطق التي احتلتها بعد الحرب.

إقرأ ايضًا: ما هي التبعات المحتملة لإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل؟

قوبل ضم إسرائيل للقدس الشرقية عام ١٩٨٠ بالاستنكار الدولي، وقد  أصدر مجلس أمن الأمم المتحدة القرار رقم 478 الذي نص على أن إسرائيل خرقت قانونًا دوليًا وطالب جميع الدول الأعضاء بسحب ما تبقى من سفاراتها من القدس.

ولا تزال القدس تشكل  قضية محورية في الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يزال  يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وطالما كانت حدود المدينة موضع جدال  في المحادثات الثنائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

السابق
نفايات لبنان الى المكبات العشوائية… ثم الحرق والموت البطيء!
التالي
هل تغيّر مفاجآت العام 2017 وجه المنطقة؟