الرفاعي حارس شرف الجمهورية: بقيت حيّا لأدافع عن الديموقراطية

احمد عياش

لم يرد حسن الرفاعي أن يكتب مذكراته. وعندما إنبرى آخرون لكتابتها مارس حيالهم حذرا ونقدا وتشكيكا على إمتداد أعوام إستغرقها إعداد كتاب حمل عنوان “حسن الرفاعي حارس الجمهورية”. وكأن الرجل الذي أمضى عمره الذي تجاوز حتى اليوم تسعة عقود لا يستسيغ أن يكون تحت أضواء الاخرين بل ان يكونوا هم بالمعنى الواسع تحت أضوائه.وفي ظل حيوية فكرية قلّ نظيرها, صدرت عنه قبل أيام فتوى تتعلق بموضوع إستقالة الرئيس سعد الحريري خالفت كل المواقف التي صدرت بعد 4 تشرين الثاني الماضي وفيها ان شرط تقديم الاستقالة لا يرتبط بالمكان . وإذا جادله أحد في فتواه أحاله فورا على فيض من مراجع قانونية وبحر من ثقافة دستورية.

اقرأ أيضاً: هل ينقلب «حزب الله» في بيروت على إنقلاب صنعاء؟

منذ أن أبصر الرفاعي النور في 23 آب عام 1923 تنشق في مسقط رأسه بعلبك هواء تربية تعشق العلم. فمضى في رحلة العشق هذه حتى صار محاميا حصد نجاحات مشهودة في المهنة قبل ان يصل الى البرلمان عام 1968 ليلمع فى رحابه على مدى أكثر من عقديّن .وبين عامي 1973 و1974 شغل الرفاعي مقعد وزارة التصميم في حكومة الرئيس تقي الدين الصلح في عهد الرئيس سليمان فرنجية فأعطى الوزارة من خلال ما أنجزته مرتبة جعلت زميله وزير الزراعة الرئيس صبري حمادة يخاطبه في إحدى جلسات الحكومة قائلا:”لم نحسب أن لوزارة التصميم هذه الاهمية”، فأجابه الرفاعي:”يا دولة الرئيس ,الفرس من ورا الفارس!” ووسط هذه الصورة التي كوّنها الرفاعي بجدّه وإجتهاده لم يكن أسمه بعيدا عن بورصة المرشحين لرئاسة الحكومة وفي إحدى المرات كان الزعيم الاشتراكي كمال جنبلاط من رشح الرفاعي لهذا المنصب. وعندما مازح العميد ريمون إده الرئيس رشيد كرامي بعدما ألقى الرفاعي كلمته خلال مناقشة البيان الوزاري لكرامي اواخر كانون الثاني عام 1969قال له:”لقد جاءكم من ينافسكم على رئاسة الوزارة!”
خلال وصول الرفاعي الى المعترك النيابي في اواخر الستينات من القرن الماضي كان لبنان على مفترق تحولات كبرى داخلية وإقليمية.ففي الداخل ,كانت الشهابية تطوي أوراقها التي تتأرجح بين إنجازات عهد فؤاد شهاب وممارسات المكتب الثاني المثيرة للجدل.ولم تنقض أيام عهد الرئيس شارل حلو المحسوب على الشهابية حتى ولد إتفاق القاهرة الذي شكل بداية ربط لبنان بأزمات المنطقة وحروبها فوصفه الرفاعي بعدما ظهرت نتائج تطبيقه ب”المشؤوم”.
عندما إنزلق لبنان عام 1975 الى حرب مدمرة لم تضع اوزارها إلا بإتفاق الطائف عام 1989 ,كان الرفاعي في محطات وطنية نستذكر منها موقفه من إتفاق 17 أيار عام 1983 عندما جاهر بمعارضته له قائلا: “…إنني أجد فيه إستعمارا للبنان ولن أرضى به إطلاقا.”لكن الرفاعي الذي قال ما قاله في الاتفاق مع إسرائيل كان له موقف جريء من بداية مرحلة الوصاية السورية على لبنان . ففي تصريح صحفي قال الرفاعي في 21 تشرين الاول 1976 :”لن أذهب الى بعلبك وفي المنطقة جندي سوري”.لكن هذا التعهد سقط عام 1982 عندما إجتاحت إسرائيل معظم لبنان وصولا الى محاصرة عاصمته.ولكن خلال لجوئه الى البقاع تعرّض لمحاولة إغتيال نجا منها بإعجوبة. وتشاء الاقدار فيتلقى الرفاعي العلاج في دمشق وبإهتمام من الرئيس حافظ الاسد شخصيا. وخلال شهادة له أدلى بها للتلفزيون السوري وكان على حافة الموت أو الحياة قال: “…إن بقيت حيّا فسأعود مدافعا بحماسة أكبر عن لبنان وعن الديموقراطية في لبنان..”
موقف الرفاعي من إتفاق الطائف عام 1989 والذي واظب عليه طويلا يمثل درسا سيبقى محفوظا في تاريخ هذا البلد.فبعد تمنعه عن الموافقة على الاتفاق خلال طرحه في مؤتمر الطائف قال: “أنا مع الطائف في الشق الذي يوقف الاقتتال والتخريب وينقذ الابرياء ويؤدي الى إحياء المؤسسات… لكن عندما دعيّ النواب في النهاية الى أن يصوتوا عليه بالتزكية فكان من المفروض والمبرر أن أقول أنني ممتنع إذ انه كان يفترض أن يعطى النواب الوقت الكافي لمناقشة الورقة بندا بندا وكلمة كلمة.فطريقة التصويت على مثل هذه الامور الخطيرة جريمة ديموقراطية لا تغتفر”.
في حياته المديدة كان الرفاعي ينسج علاقاته على قاعدة الندية والاحترام المتبادل على مختلف المستويات.وقد قرّبه ذلك ممن كانوا على توافق معه أو ممن كانوا على خصومة معه.وفي هذا الصدد يقول الرئيس تمام سلام للرفاعي عندما إلتقاه في إحدى المناسبات الاجتماعية: “أنا أذكر ان المرحوم أبي كان يقول لي: لم أتهيّب إلا عندما كان حسن الرفاعي يطلب الكلام في مجلس النواب لأنه على مستوى عال من الثقافة والفهم”. فرد الرفاعي: “وأنا كنت أبادل صائب بك الاحترام والتقدير”مسجلا لسلام قوة الشخصية والحضور المميز”.
من كان مثل الرفاعي لا يتقاعد.فبعدما خرج من النيابة بعدما أُسقط في إنتخابات العام 1992 بقيّ حتى اليوم أحد أقطاب الفقه القانوني يُستفتى أكثر من ذي قبل في قضايا الدستور .كما كان في قلب إشكالية ممارسات الحكم كما يشهد على ذلك إبتعاده عن رفيق الحريري ثم إقترابه منه في التحولات التي شهدها لبنان.
ما قاله البروفسور جوزيف مايلا في تقديم الكتاب: “سيبقى حسن الرفاعي من بين كل رجال السياسة ,ذاك الذي عرف بدفاعه عن القانون أن يُدافع عن “شرف الجمهورية” المنتهك بتجاهل القانون إن لم يكن بالاعتداء عليه”.
سيبقى الرفاعي كتابا مفتوحا للقراءة في هذا الزمن والزمن الآتي.
*كتاب “حسن الرفاعي حارس الجمهورية” من إعداد حسّان الرفاعي وجوزف باسيل واحمد عياش.صدر عن دار سائر المشرق وهو حاليا في معرض الكتاب العربي.

السابق
لبنان أولاً وأخيراً لـ «حزب الله»؟
التالي
نتنياهو لا يعلق على مسألة إعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل