«نساء الحرب» لجواد الأسدي: مسرحية من جحيم الوطن

كتاب نساء الحرب
المسرحية الجديدة، الصادرة حديثاً لجواد الأسدي، عن "دار الفارابي في بيروت في طبعة أولى 2017) تحت عنوان: "نساء الحرب"، هي مأساة درامية بامتياز، وهي تدور حول الأجواء النفسية لثلاث لاجئات عربيات، اضطررن للجوء إلى ألمانيا، هرباً من جحيم "الوطن".

النساء هنَّ “مريم” (مسلمة)، و”أديل” (مسيحية) وهما سوريّتان، و”فاطمة” وهي عراقية والثلاثة هنّ ممثلات، وكل واحدة لجأت إلى ألمانيا، بطريقة مختلفة طبعاً، وتُقدم الحبكة المسرحية، هنا، طبيعة أجوائهن النفسية، على الخلفيات التي دفعتهن إلى هذا اللجوء القسري، والتي تُظْهِرها حواراتهن مع المحقّق الألماني، أثناء مثولهن للتحقيق معهنّ – كل واحدة على حدة – وهنّ يتقاسمن العيش في بيت/ ملجأ واحد، وظللن في مدّة لجوئهن يتقلّبن على جمر الانتظار والأمل في منحهنّ حق اللجوء. فعشن قلقاً نفسياً متواصلاً ومستمراً، لكن في النهاية أُصِبْنَ بخيبة أمل شديدة لعدم حصولهن على حق اللجوء، هنّ اللواتي كنّ يتمنّين الاستقرار في مكان لجوئهم هذا (في ألمانيا)، “لا يوجد أمامنا سوى التكيّف مع ظروف وحياة هذا البلد (ألمانيا) وأن نُرتّب حياتنا فيه، وأن ننسى بأننا نساء لاجئات”. هذا قالته “أديل”، لمريم وفاطمة في أحد حواراتهنّ الخاصة التي كانت تدور بينهنّ في بيت اللجوء. لكن المسرحية تُخْتَتَمُ بمفاجأةٍ، جسّدتها رسالة من لجنة المحققين الألمان، ترفض إعطاءهن حق اللجوء. فنرى: فاطمة سالم عوّاد، ومريم محمد ياسين، وأديل أنطوان ديب، مع حقائبهنّ على قارعة الطريق، بانتظار باص أو قطار، يحملهنّ إلى دولة لجوء أخرى.

اقرأ أيضاً: كتاب «دمُ الأخوين» لفوّاز طرابلسي: عندما يُصبح قتلُ الأَخِ واجباً دينياً!

هذا، وتتألف مسرحية “نساء الحرب” من سبعة مشاهد، لنصٍّ مسرحيّ سهل القراءة، سريع التّوصيل، قوامه تقنياتٌ مشهديّة/ بصريّة، محبوكة بلغة وجدانية حميمة في تقديم هذا النّص الدرامي، إذ هي لغة استطاع الأسدي أن يخاطب بها وجدان قارئه وعقله في الآن نفسه، بجعله يشعر في قراءته لهذا النص، بأنه إنما هو يشاهد لوحات عرض مسرحيّ شيِّق يُعرض أمامه، ولا يقرأه قراءةً لفظيّة.

ونورد هنا جزءاً من إفادة مريم أمام المحقق الألماني تروي له فيها الحادث الوحشي الذي كان سبب لجوئها:
في يوم الجمعة المصادف 10/5/2013 بينما كنتُ متوجّهة إلى البيت، عائدة من الصلاة، استوقفني شاب في مقتبل العمر… فجأةً أحاطني أكثر من خمسة شبان آخرين يبدو أنه قد نسّق معهم، على خطفي، فعلاً وضعوني في سيارة بيجو، مشت السيارة أكثر من ساعة ونصف الساعة، بعدها اقتادوني إلى مكان أجهله تماماً، قال لي الشاب المعجب بي، سأتزوجك نكاحاً على سنة الله ورسوله، ثم أخذ يشرح لي عن معنى الجهاد بالنكاح، أو النكاح جهاداً، الذي هو حاجة إسلامية ملحة في حالات الحروب كما قال، فعلياً بدأ يقرأ وبصوت عالٍ ورقة يقول بأنه حديث نبوي مخصص لموضوع النكاح والتناكح والمناكحة، ثم صاح فجأة وبشبق حار، أنتِ منذ الآن بعرف الدين الإسلامي وبمشورة رسول الله، من حصتي!

كتاب نساء الحرب

لم أصدق ما كان يدور حولي، صرخت، بصوت عالٍ، صعد الدم إلى رأسي، في لحظة خاطفة رماني على الأرض، ونزع عني ثوبي، وحجابي، عرّاني، صرت فعلياً عارية أمام شخص انتهك جسمي بإسم الجهاد، استنجدت بالناس! لكن لا أحد استجاب لي، بوحشية حيوانية، اقتحمني، حتى صرت أنزف!

اقرأ أيضاً: «الأربعون ظلاًّ»… فلسفة شِعر إيهاب حمادة

في اليوم الثاني، بينما كان نزفي لا يزال حاراً دخل علي شخص آخر، كرّر عليّ ما قاله الأول، فقط أضاف إنه يفعل ذلك حسب الأعراف الدينية ومن أجل النصر المرتقب! قال بأني سأحصل على الثواب وربما يكون لي أرض في الجنة، ومن يدري قد تتعشين مع الصحابة.

خلال عشرة أيام اغتصبني عشرة رجال تحت الذريعة نفسها انهارت قواي الجسدية والصحية، فأخذوني إلى مستشفى ناءٍ، ثم اختفوا نهائياً. منذ ذلك اليوم ما زلت أحس بأني امرأة ملطخة وبأن كل ماء العالم لا يمكن أن يُطهر جسدي! هذه هي إفادتي حضرة المحقق.

السابق
السيد الأمين: نحن بحاجة لنهضة دينية مقابل العدميات القاتلة
التالي
«المغرب» يستثمر في الطاقة النظيفة: الشمس والرياح والنفايات.. مصادر لتوليد الكهرباء!