الحشيشة في البقاع «أباً عن جد»… والقنبز فاخر!

يكاد الحديث عن زراعات بديلة عن الحشيشة في البقاع "مزحة" بسبب الكلفة العالية لهذه الزراعة وغياب التصريف لذا يلجأ المزارعون الى زراعة الحشيشة لكونها مربحة وتؤمن معيشتهم. في هذا الملف إطلالة على الحشيشة البقاعية واوضاع المزارعين وانواع المخدرات الموجودة.

منذ العام 1927 حتى تاريخ اليوم لا زالت نبتة الحشيشة رمزا لسهول البقاع تماما كالارزة رمز جباله. نبتة القنب الهندي والمعروفة في لبنان بالحشيشة، تجذرت شتولها في أراضي البقاع أباً عن جد. وبات مستحيلا تلفها لا من الارض ولا حتى من الشعب. هذه النبتة هي ببساطة بطاقة تعريف.
الآن في هذه اللحظة،قد يجول في خاطر القارئ أن تكون هذه الهوية عار على أبنائها، لكن ماذا إذا كانت هذه الهوية ذات ابعاد محقة لم تتكون عبثاً بل تقولبت بناءاً على إرادة النظام في الابتعاد عن إيجاد بديل. لا بل تشكلت عن سبق اصرار في إقصاء البقاع، ورسمه دائما بألوان فقيرة، قليلة، محدودة، غير قابلة للتحول ولا التبدل ولا حتى التطور بأي شكل من الأشكال. إذا فلتكن.

اقرأ أيضاً: القضاء اللبناني متقدم في تنفيذ قانون المخدّرات ويعمل على مشروع تعديلي

ممارسة جماعية
صحيح أن الإنسان الأول عاش في الجرود وفي المغاور خوفاً من الحيوانات المفترسة لكنه لم يعرف يوماً أن فعله هذا سيصبح في القرن الواحد والعشرين ممارسة جماعية تقوم بها فئات كبيرة من البشر، هذه الفئات يطلق عليها اليوم اسم الطُّفَّار، “نشدد على حرف الطاء”. هذه الظاهرة التي تدعى الطُّفَّار هي مجموعة من اشخاص تعيش حالة هرب دائمة من الأجهزة الأمنية خوفاً من قضبان السجن والمحاكم. أحد أسبابها هو التجارة بالمخدرات وتحديداً الحشيشة.

انعادم فرص العمل
يعيش الشباب في منطقة البقاع في بيئة معدمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، حيث لا يوجد فرص عمل ولا مؤسسات تعليمية ذات مستوى، وذلك بسبب المركزية الإدارية وتمركز كل الخدمات في بيروت. هذا الواقع يدفع البعض الى التورط مع تجار المخدرات الموجودين بكثرة في البقاع، نظراً لكون هذه المنطقة أرضاً خصبة لزراعة المخدرات وتصنيعها. يقول جعفر وهو مطلوب: “كان عمري اربعة عشر سنة عندما بدأت العمل في الترويج، والدي لم يكن بمقدرته أن يرسلني الى المدرسة وانا لم أجد لنفسي عملا، فكان خياري الوحيد العمل في بيع الحشيشة. عندما كبرت وجدت نفسي مطلوباً”.
دخول طفل بعمر الاربعة عشر عاما الى عالم الترويج والمخدرات يبدو أنه ليس خياراً بل أمر واقع اضطر الكثيرون مواجهته، تضيف فاطمة ” الشباب، خصوصاً في البقاع مخيّرون أمام أمرين، إما الانتساب الى الاحزاب السياسية او الجيش التي بات معروفاً أن معظم الناس تنتسب إليها من أجل تأمين مدخول شهري. أما الخيار الآخر هو اللجوء إلى زراعة الحشيشة التي تنتشر بشكل كبير في كل لبنان وسوقها مفتوح وتعطي مردوداً كافياً وسريعاً”.

مجلة شؤون جنوبية 165

الحرمان لا يبرر الحشيشة
وعلى رغم اعتبار معظم السكان في البقاع أن سياسة الحرمان مفروضة على منطقتهم إلا أن ذلك برأي البعض لا يبرر العمل في الممنوعات والتجارة غير المشروعة التي تورط. تحتد مريم “إن عدم وجود سلوك مدني عند المواطنين وغياب الوعي الثقافي يؤدي الى اللجوء لزراعة الحشيشة وخوض معارك مع الأجهزة الأمنية” وتسأل: “في ضيعتي هناك مزارعون يستيقظون عند الساعة الخامسة فجراً في مواسم العنب والورد، لماذا لا يفعل ذلك أؤلئك الذين يبذرون حبوب القنبز”؟
قريباً من هذه المشهدية، تدخل اليوم الى سهل إيعات، ومثله أمثال في البقاع. لتجد مساحات شاسعة وخضراء من نبتة حشيشة الكيف التي تبدو كالشجر. نتعمق أكثر في سهل الحشيشة لنسأل عن العمال الذين يعتنون بهذه النباتات فنجد أن هناك أطفالاً ونساء تعمل في هذه الحقول بأجور أعلى من اجر العمل في الزراعات الشرعية. العاملون في الحشيشة يتقاضون خمسة آلاف ليرة على الساعة الواحدة بينما يتقاضى العمال العاديون على الساعة الواحدة بين الألف والخمسمئة ليرة والألفين ليرة لبنانية. ما يدفع مزارعو الحشيشة أن يدفعوا أكثر للعمال هو العامل نفسه الذي يبتز المزارع بأمرين، الأول هو المانع الديني إذ يعتبر العمال انهم يعملون بالحرام وباللاقانوني ولذلك هم يعرضون انفسهم للخطر. بالإضافة إلى أن المزارع يدرك أن محصوله لن يخسر بكل الأحوال.

اقرأ أيضاً: لتغيير استراتيجية مكافحة المخدّرات وإنهاء ظاهرة المخبرين في المستشفيات

خسارة
انتقلنا كي نأخذ آراء بعض المزارعين في موضوع الخسارة فشاركنا أبو محمد بمعاناته: “نزرع صحارة البندورة وفي نهاية الموسم منطلع راس براس. من أجار عمال الى مياه ومواد غذائية واسمدة للمزروعات. وفي نهاية الموسم لا تصرف منتوجاتنا كما يجب، بل تستورد الاسواق البندورة من سورية حيث السعر ارخص ونفس النوعية لذلك نقوم برش أراضينا بحبوب القنبز التي يكلف الكيلو الواحد منها الف ليرة وهي لا تحتاج للري ولا رش مبيدات كغيرها من الزراعات” زد على ذلك أن الدولة لا تملك خطة كي تشجع الزراعات المحلية والبديلة، يتسآل أبو محمد: “علب الكتشاب من أين نستوردها؟ لماذا لا تستثمر زراعتنا في معامل لبنانية”؟
ليس كذباً أو قولبة كل ما يقال عن البقاع وعلاقته بزراعة الحشيشة في وسائل الإعلام لأن البقاع أرض خصبة ذو طقس ممتاز لزراعة نبتة القنب الهندية المعروفة بحشيشة الكيف ويتميز الإنتاج اللبناني البقاعي في السوق الأوروبية حيث تعتبر الحشيشة اللبنانية النّوعية الفضلى بين كل نوعياتها خصوصاً عندما تكون مختومة بصورة الأرزة ما يعني أن النوعية هي الأجود والأفضل. ولم يعد خفياً على احد استعمالاتها المتعددة بدءاً بالكيف وصولاً إلى الاستخدامات الطبية فهل من سبيل إلى تشريعها؟

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 165 خريف 2017)

السابق
نقابة التعليم الخاص: إضرابنا موجَه ضد صندوق التعويضات
التالي
«معبودة الجماهير» شادية.. والوداع الأخير: محطات من أجمل أغانيها