توافق رئاسي على تجديد سياسة النأي بالنفس لتفعيل العمل الحكومي

ينتظر أن تتسارع في الأيام المقبلة الاتصالات والحوارات السياسية الثنائية والمتفرقة التي يتولاها رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، بمشاركة "حزب الله"، لتجديد سياسة النأي بالنفس عن حروب المنطقة، ولمعالجة الأزمة في علاقات لبنان بدول الخليج التي تتهم الحزب بالتورط في أعمال أمنية داخلها.

بدا واضحا عقب الايام الاولى الثلاثة من اعلان رئيس الوزراء سعد الحريري تريثه في مسألة استقالته أن كثراً بنوا حسابات متسرعة حول امكان عودة الى الوضع الحكومي والسياسي كما كان قبل الاستقالة والتريث ولو ان الواقع الناشئ عن التريث يعد نسبياً بمثابة “حالة ثالثة ” بين الاستقالة والتراجع عنها. واستناداً الى المعطيات التي توافرت في الساعات الاخيرة من زوار رئيس الحكومة والمعنيين بحسب ” النهار”: فإن الرئيس الحريري لا يبدو في وارد المداومة في مكتبه في السرايا في وقت قريب وهو يوقع بريده ويعقد لقاءاته في “بيت الوسط” بما ينطبق تقريبا على تصريف اعمال يصعب التكهن بنهايته قبل اتضاح طبيعة “النيات الحسنة” والاستعداد للمساعدة والتعاون حيال الالتزامات التي تتطلبها عملية العودة عن الاستقالة والتي أبداها معظم المعنيين لدى عودة الحريري الى بيروت.

إقرأ ايضًا: بعد تجاوز أزمة استقالة الحريري.. إنطلاق قطار التسوية

وقد أوضح الحريري في كلمة له أنه قرر التريث في تقديم استقالته “نظراً إلى إصرار الرئيس عون ولأني كنت دائماً واضحاً وأطالب بأن تكون سياسة النأي بالنفس بالفعل وليس بالكلام فقط، ولا يجب أن تكون هذه السياسة على حساب أشقائنا العرب، وإلا فسيكون لنا موقف آخر”.

ورجحت مصادر “الحياة” أن يتولى الرئيس عون حواراً بالمفرق مع الفرقاء السياسيين لتبادل الأفكار حول المخرج من أزمة علاقات لبنان مع الدول العربية، بدلاً من الدعوة إلى حوار موسع في القصر الجمهوري. كما رجحت المصادر أن يقوم الرئيس بري نتيجة اتفاقه مع الحريري، بوضع قيادة “حزب الله” في أجواء الموقف العربي الحقيقي الرافض ممارسات الحزب في عدد من الدول العربية، إضافة إلى أن الحريري نفسه ينوي توسيع لقاءاته التي بدأها مع الأحزاب والقيادات المعنية من دون استثناء. ولم تستبعد المصادر أن يلتقي الحريري “حزب الله” في حواره مع هؤلاء الفرقاء، كما أنه سيلتقي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
ويأمل بعض المحيطين بالحريري بإمكان البناء على “الموقف الهادئ الذي صدر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير حول أزمة الاستقالة”. وفي تقدير هذه الأوساط أن إعلان نصر الله أنه مستعد للحوار، قد يكون مقدمة للبحث معه في ما يمكن تقديمه لضمان النأي بالنفس الجدي عن أزمات المنطقة. وترى أن الحزب يفضل أمام المواقف الخارجية المتصاعدة حيال دوره الإقليمي، أن يتجنب قيام حرب ضده وضد البلد.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ”الجمهورية”: المشكلة الحالية لا تكمن باستقالة الحكومة او تعويمها او تشكيل حكومة جديدة، إنما تكمن في الاتفاق النهائي على النقاط الثلاث هذه، والالتزام بها للسير قُدماً من دون مطبّات جديدة.
ولم تستبعد المصادر أن يكون الحل موثّقاً ومكتوباً وموقّعاً من كل الأطراف، ويتّسِم بوضوح لا يحتمل التأويلات. مؤكدة انّ كل مرجعية من موقعها، قامت بالاتصالات اللازمة مع حلفائها للخروج من الأزمة سريعاً، لكن من دون تسرّع. ونَفت ان تكون هناك اي مهلة زمنية محددة.

وقالت مصادر في “تيار المستقبل” لـ “الحياة”، إن الحريري لمس تجاوباً من الرئيسين عون وبري حول ضرورة العمل من أجل إيجاد آلية عملية للنأي بالنفس من جانب “حزب الله” عن صراعات المنطقة، في شكل جدي. وركزت المصادر على أن الحريري مقتنع بصدق الرئيس عون في السعي إلى حلول، انطلاقاً مما سبق أن قاله أمام الاجتماع المشترك لقيادة “تيار المستقبل” وكتلته النيابية أول من أمس، بأن عون حليف استراتيجي له.

إلى ذلك، رد رئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط ووزير الداخلية نهاد المشنوق على تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، بأن سلاح “حزب الله” غير قابل للتفاوض، فرفض الأول “الإملاء الإيراني”، واعتبر الثاني أن تصريح جعفري “استفزازي، إذ لم يطرح أحد نزع سلاح حزب الله بل المطروح هو الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي يمكن أن يجد سلاح حزب الله دوراً فيها موجهاً ضد العدو الإسرائيلي وليس ضد اليمن والبحرين وسورية والعراق”.

وكان لافتاً في هذا السياق، ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث وصفَ المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيّد علي خامنئي بـ”هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط، لكننا تعلمنا من أوروبا أنّ الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا”.
وهو كلام رَدّت عليه ايران عبر وزارة خارجيتها، التي اعتبرت تصريحات ولي العهد السعودي “غير ناضجة وغير موزونة وسخيفة”، ودَعته الى “أخذ العبَر من المصير المحتوم للحكام المُستبدّين المعروفين بالمنطقة”.

إقرأ ايضًا: تهدئة لبنانية سعودية وتصعيد ايراني : سلاح حزب الله غير قابل للنقاش

أمّا البارز لبنانيّاً، في ما نقلته الصحيفة الاميركية المذكورة عن ولي العهد السعودي، فكان تناوله الملف اللبناني وما أحاطَ استقالة الرئيس الحريري، وكذلك هجومه على “حزب الله”، حيث قالت “نيويورك تايمز”: بالنسبة الى الملف اللبناني، أصَرّ بن سلمان على أنّ خلاصة القضية تتمحور حول أنّ الحريري لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيسي لسيطرة ميليشيا “حزب الله” اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيسي لسيطرة طهران”.
كلام ولي العهد السعودي، شَكّل نقطة اهتمام أساسية في الداخل اللبناني، وأثيرت علامات استفهام حول مضمونه، من قبل مستويات سياسية ورسمية، إقترنت بمحاولات للغَوص في أبعاده والوقوف على مراميه، حيث خلصت بعض القراءات الى اعتبار ما قاله ولي العهد السعودي تأكيداً على الموقف السعودي المعلن منذ إعلان الحريري استقالته في 4 تشرين الثاني الجاري، ومحاولة لرسم “حدود سعودية” من الازمة السياسية الراهنة في لبنان.

السابق
شوكولا تسمّم أطفال في طرابلس
التالي
زياد عيتاني يتعامل مع «الموساد» منذ عامين.. وتلّقى أموالاً ضخمة لتشكيل «لوبي»