الحريري الجديد… الرقم الصعب

سعد الحريري
مُخالفاً لأغلب التوقعات بدا رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بمواقفه وقراراته بعد عوته الى الوطن مختلفاً عن سعد الحريري المعهود.

منذ خطاب استقالته من الرياض والتحليلات والكلام دار وبقوة عن الضغوطات التي تعرض لها الحريري خلال وجوده في المملكة العربية السعودية وصولاً إلى إعتباره محتجزاً هناك وقدم استقالته تحت الضغط، وأكثر من ذلك، فإن خطاب الاستقالة ليس من صنع يده كما اُشيع
إلى حد التصديق والتسليم بكل ما سبق، عاش لبنان الى حين عودة الرئيس المستقيل الذي فجر القنبلة من القصر الجمهوري وفي عيد استقلال لبنان بأنه أجل تقديم استقالته بطلب من رئيس الجمهورية ونزل الرجل عند رغبة الرئيس اللبناني ميشال عون ولم يقدم الاستقالة ووصف الخطوة بالتريث، وليس بالعدول عنها. إلا أن الدستور اللبناني لا يلحظ ما يسمى تريثاً وهو واضحٌ لجهة انتفاء الاستقالة طالما أن رئيس الحكومة لم يقدمها لرئيس الجمهورية مباشرة ويداً بيد كما هو العرف، فهو الآن رئيس حكومة لبنان “اللا مستقيلة” وبالتالي الخطاب من الرياض يُصبح لاغياً ولو مؤقتاً وليس الإستقالة. لكن ماذا عن مفاعيل خطابه من الرياض؟

اقرأ أيضاً: بين الإستقالة والتريث… مكتسبات لبنانية!

يرى مراقبون أن خطاب الرجل من الرياض أسس فعليا” لمرحلة سياسية جديدة في لبنان دل عليها كلام أمين عام حزب الله حسن نصر الله لجهة نفيه القاطع لتدخل عناصر حزب الله في اليمن أو تواجدهم هناك، وكذلك إطلاق اي صاروخ على المملكة، وكذلك نفيه إرسال السلاح الى بلد عربي، وأن الحزب موجود بسلاحه ومقاتليه في سوريا والكل يعلم ذلك وكلام رئيس الجمهورية اللبناني الذي أشار في خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال الى “النأي بالنفس” سائلاً لماذا لا ينأى الآخرون بأنفسهم عن التدخل في شؤون لبنان.
كل هذا الجو الذي سبق مباشرة وصول الحريري الى بيروت له دلالاته.
وأكثر ما يلفت الإنتباه هو شخص الرئيس الحريري تحديداً، وما طرأ عليه من متغيرات بدا الرجل معها جديداً كلياً ورقماً صعباً في المعادلة اللبنانية، وهو ما تدل عليه أمور كثيرة، ليس آخرها الكيفية التي ظهر فيها الحريري بملامح جدية جداً، وبدا واضحاً أن الرجل الشاب، والوريث السياسي للشهيد رفيق الحريري، الوديع الملامح، المبتسم معظم الوقت، لم يعد موجوداً وحل مكانه رجل بدا على ابواب تحقيق حيثية خاصة به، رغم الإرث الكبير إن لم نقل زعامة متكاملة.
في خطابه من القصر الجمهوري قال الحريري، إنه مستمر بتمني الرئيس اللبناني في حجب استقالته، وبدا غير سعيد. أو استطاع على الاقل إظهار ذلك، ومن أهم شروط العمل السياسي التحكم بما يراد أن نظهره، وهي مهارة في رأيي لم يكن سعد الحريري يتمتع بها قبل هذه الازمة.
الحريري لم يبدو تقليدياً في تقبل التهاني بعيد الاستقلال، برفقة الرئاسة الاولى والثانية كما هي العادة، بل بدى واثقاً متحكماً بملامحه مع المهنئين. لكن لم يخفى على الكاميرات غرابة جمود وجه الحريري خلال مصافحته رجالات يعتبرون حلفاء له، وهذا ربما يدل على صحة الأخبار التي تحدثت عن بعض الخصومات بينه وبين بعض الحلفاء. والمعلومات التي تحدثت أن أحدهم حاول الإيقاع بالحريري وهي تبقى معلومات لا أكثر حول كلام لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بما يتعلق بعدم مقدرة الحريري الاستمرار، وهو كلام قيل للسعوديين وكان جعجع بحسب المعلومات من حفر حفرة لأخيه الحريري وتبقى تسريبات لا اكثر.
ووسط المصافحات في القصر الجمهوري انسحب الحريري للتحدث الى جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني لبعض الوقت، وهو أمرٌ لافت أيضاً فقد تغيب الحريري لدقائق وهو يتحدث لجبران باسيل، ولو فسر البعض ذلك هروبا من الحريري من مصافحة السفير السوري في لبنان. بما ان باسيل هو الذي واكب من موقعه أزمة الحريري، منذ بدايتها وهو الحليف للخط المعاكس للحريري فهو من تيار التغيير والاصلاح ورئيسه.

اقرأ أيضاً: الحريري «تريث» والاستقالة مؤجلة حسب الدستور اللبناني…

كل هذه اللقطات السريعة، في مثل هكذا يوم تدل على الكثير فالرجل لم يعد كما سابق عهده وإنما ممسك بشكل جيد بعدد من خيوط اللعبة السياسية في لبنان بشكل كبير
فظهوره من شرفة “بيت الوسط” بهذه الطريقة الحريرية تدل على ما نقول فكلامه للناس كان كلام زعيم يعرف رصيده عند الناس ويعلم جيداً ما يقول ومتى يقول.
إن الضعف الذي أصاب مركز الرئاسة الثالثة بما تمثل في لبنان على مدى السنوات العشرين الآخيرة، ليس خافياً على أحد، وهو طبعاً تراجع بفعل عوامل عدة، أهمها إغتيال أبرز شخصيات هذه الطائفة تباعاً ولعدة سنوات، وشخصيات لا مجال لسرد اسمائها الآن لكن سعد الحريري اليوم أوحى للناس بأنه زعيم حقيقي وهنا السؤال الكبير.

السابق
بين الإستقالة والتريث… مكتسبات لبنانية!
التالي
الصراع الروسي – الأميركي يمدّد للصراع السوري