حين تفقد القمصان السود هيبتها ويصير السلاح عبئا على صاحبه

علي الأمين
فائض القوة الذي تعاظم لحزب الله داخليا لم يعد يقرر الوجهة السياسية في البلد، فحزب الله القابض على مفاصل السلطة، يدرك اليوم أن هذه القوة ليست من يحسم الخيار داخل لبنان.

حين قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من الرياض، انتشر فيديو مصور لأحد المنشدين القريبين من حزب الله، وهو يقوم بكيّ قميص أسود، في إشارة إلى أنّ القمصان السود عائدة إلى المشهد اللبناني لتقلب الموازين لصالح حزب الله، في إشارة إلى ما حصل في العالم قبل سنوات عندما قام حزب الله بتسريب خبر عن انتشار أصحاب القمصان السود في أحد شوارع بيروت، وكانت هذه الخطوة كفيلة بحسم موقف النائب وليد جنبلاط لعدم تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

القمصان السود كان تعبيرا رمزيا يحرص حزب الله عبر أنصاره على التلويح به، حين يجد أن ثمة من يعترض من القوى السياسية الوازنة على قرار من قراراته الداخلية، وهو كان يلبي حاجته لبث الخوف لدى بعض الفئات من اللبنانيين، وكان الوجه السحري أو القناع الذي يتخفى خلفه التهديد باستعمال السلاح.

إقرأ أيضاً: نصرالله: في لبنان ننتظر عودة رئيس الحكومة سعد الحريري

أهمية هذه الواقعة المتمثلة بالتلويح بالقمصان السود اليوم، تكمن في أن فائض القوة كان سبيل حزب الله لفعل ما يريد في ترتيب المعادلة السياسية في الداخل اللبناني، إسقاط الحكومات وتشكيلها، إلغاء نتائج الانتخابات أو تجويفها من مضمونها السياسي، فرض سلاحه على الجميع ولا سيما مؤسسات الدولة، وكان يتحقق له هذا الأمر منذ أن قام بعملية 7 مايو 2008 والتي كانت درسا أراد حزب الله أن يلقنه لجميع اللبنانيين من خلال انتشاره العلني بالسلاح واقتحامه بيروت وصيدا وغيرهما عسكريا، للقول إنكم أمام خيار إما القبول بما أمليه عليكم أو أرغمكم بالقوة على ذلك. وفعلا تحققت له منذ ذلك التاريخ السيطرة والنفوذ ليس على الأرض عسكريا وأمنيا، بل أمسك بمعظم أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية بطرق منظورة وأخرى غير منظورة.

لقد تغيرت قواعد اللعبة اليوم. فائض القوة الذي تعاظم لحزب الله داخليا لم يعد يقرر الوجهة السياسية في البلد، فحزب الله القابض على مفاصل السلطة، والحاكم بأمره في امتداد الجغرافيا اللبنانية، والمتفوق عسكريا وأمنيا على كل القوى السياسية والرسمية في لبنان، يدرك اليوم أن هذه القوة ليست من يحسم الخيار داخل لبنان، كما كان الحال خلال العقد الأخير من الزمن. لم تعد القمصان السود مفيدة ولا سطوة السلاح تقدم شيئا بل باتت أضرارها عليه أكثر من سواه، فحزب الله لن يتجرأ على القيام بذلك، لإدراكه أن مشكلته اليوم لن يحلها التهويل الداخلي، لأن التحدي اليوم خارجي ويتربص بأيّ خطوة قد يقوم بها في الداخل ليمارس عليه ضغط العقوبات الاقتصادية والمالية وغيرها من أوراق الضغط التي يملكها هذا الخارج العربي والدولي.

بيان وزراء الخارجية العرب الذي صدر الأحد من القاهرة وضع الإطار الذي من خلاله سيتم التعامل مع لبنان عربيا في المرحلة المقبلة. البيان اعتبر حزب الله منظمة إرهابية، وشدد على رفض الممارسات الإيرانية في المنطقة العربية، وتفادى اتخاذ أي إجراء ضد لبنان، ولكنه أبقى السيف مسلطا عليه من خلال الاستعداد لحمل الملف إلى مجلس الأمن. عملية تضييق الخناق مرشحة إلى المزيد فيما لو أصر حزب الله على سلوكه وفي استخدام لبنان منصة لعمليات خارجية في أكثر من دولة عربية.

لا شكّ أنّ الصاروخ الباليستي الذي تمّ إطلاقه من اليمن باتجاه الرياض وتمّ إسقاطه، كان الخطأ الإيراني الاستراتيجي الذي أتاح للدول العربية ولا سيما السعودية أن تطلق عملية مواجهة سياسية عربية ودولية ضد إيران وحزب الله المتهمين بإطلاقه، ذلك أنّ إيران من خلال إطلاق هذا الصاروخ استنفرت الأميركيين والأوروبيين الذين اعتبروا هذه الخطوة تجاوزا للخطوط الحمر، ما رفع من وتيرة الحديث عن فرض عقوبات على إيران على خلفية تصنيعها للصواريخ الباليستية، فيما الدول العربية ولا سيما في الخليج، وجدت في إطلاق الصاروخ على الرياض تهديدا للأمن الوطني والخليجي من قبل إيران، وهذا ما أتاح للرياض أن ترفع من سقف المواجهة مع النفوذ الإيراني وحزب الله من دون أن يواجهها أي معوق دولي.

يبقى أنّ السؤال الفعلي والمطروح في لبنان هو كيف سيتعامل حزب الله مع هذه التطورات الجديدة وكيف سيتعامل مع شروط المواجهة الجديدة.
شروط لن تغير في عناصرها ووجهتها الموازين الداخلية. حزب الله مطالب بأن يتبنى فعليا النأي بالنفس بالانسحاب من الإقليم العربي، وبالبدء في البحث في مستقبل سلاحه. كرة الثلج ستكبر وفائض القوة بات قيدا بعدما كان ميزة يستقوي من خلالها على أقرانه اللبنانيين، الجميع لبنانيا أو معظمهم سلّم بقوته واستسلم له ولكنهم يعتمدون التقية. يدرك حزب الله هذه الحقيقة كما يدرك أنه غير قادر على تغيير المعادلة من الداخل اللبناني، ذلك أن إجماعا عربيا ودوليا بدأ بالتبلور هو رفض ومواجهة أي ميليشيا أو حزب إقليمي، ولا مجال لأن ينجو من اصطدام مع أكثر من طرف إقليمي أو دولي إلا بالعودة إلى لبنان.

حزب الله الذي استخدمته إيران في طول المنطقة العربية وعرضها، أمام عدة خيارات هي:

إقرأ أيضاً: الجبير: سعد الحريري هو مواطن سعودي كما هو مواطن لبناني

◄ أولا إما محاولة الالتفاف على الضغوط وتشديد الخناق، عبر إعلان شكلي بالتزامه النأي بالنفس وتقديم مصلحة لبنان على المصالح الإيرانية، من دون أن يلتزم فعليا بهذا النهج، وهذا بالتأكيد خيار سيكون عبارة عن عملية شراء وقت من دون أي أفق موضوعي في ظل المواقف العربية الأخيرة والمراقبة الدولية الشديدة عليه ولا سيما في واشنطن وباريس، فضلا عن الأمم المتحدة.

 

◄ ثانيا القبول الفعلي بالانسحاب من الإقليم، وبالتالي محاولة مقايضة انسحابه بتأمين شرعية لبنانية لسلاحه ودائما بذريعة مواجهة العدو الصهيوني وتحرير مزارع شبعا، وهذا خيار ربما سيخفف عنه جزءا من الضغوط الدولية لكن سيفرض عليه في المقابل ضغطا لبنانيا داخليا يتمثل في أنّ لبنان سيكون عرضة للمطالبة بتنفيذ القرارين 1559 و1701 الدوليين واللذين يتضمنان نزع السلاح من القوى غير الرسمية.

 

◄ ثالثا الذهاب نحو المواجهة ورفض كل القرارات العربية والدولية، وهذه خطوة انتحارية له وللبنان، وهي ستكون أشبه بالصاروخ الإيراني الذي انطلق نحو الرياض، أي خطأ استراتيجي سوف يؤلب العالم عليه وليس المحيط العربي فحسب. لذا فالأرجح أنه لن يغامر بنظام المصالح الضخم الذي أمسك به في لبنان، من داخل الدولة وفي مؤسساتها وفي البلديات، فإغراء السلطة ومنافعها وفرا لحزب الله النفوذ والشعبية، وليست الأيديولوجيا الدينية أو المذهبية إلا عنصرا محدودا في تكون شعبيته، وبالتالي فإن نظام المصالح هذا كفيل بأن يجعله منحازا لعدم المغامرة به، علما أن مغامرته في سوريا ما كانت لتتم لو لم يكن مدركا أنّ الدول الكبرى وإسرائيل غير معنية بتدخله، بل ربما شجعته على التدخل والمغامرة في سوريا.

الخيارات الثلاثة هي ما سيقرر تشكيل حكومة جديدة أو بقاء أزمة الحكم في لبنان، علما أنّ قواعد جديدة فرضتها الجامعة العربية بقرارها الأخير، فإدراج حزب الله كمنظمة إرهابية في الجامعة العربية، هو بداية نهاية لنموذج مثله حزب الله في منطقة باتت عاجزة عن تحمل نموذج عسكري عابر للحدود ومهدد لمصالح الدول وأمنها الوطني، خصوصا أنّ شعار قتال إسرائيل وتحرير فلسطين انكشف على واقع أن فلسطين لم تكن إلا ذريعة، فيما المعركة الحقيقية كانت في مكان آخر في اليمن والعراق وسوريا والخليج، بينما ظلت إسرائيل جنة الأمان رغم وجود مئات الآلاف من الصواريخ الباليستية وغير الباليستية الإيرانية في لبنان وسوريا، يقال إنّها موجهة ضد إسرائيل ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، هذا ما يقوله الميدان السوري والعراقي وهذا ما قاله الصاروخ الذي كاد يسقط في الرياض.

السابق
باسيل: 85 ألف مغترب تسجّلوا للانتخابات
التالي
النأي بالنفس… أو…؟؟