ترامب إذ يوحّد المظلوميّات

توحّد إدارة دونالد ترامب مظلوميّات المنطقة على نحو نموذجيّ غير مسبوق. آخر تعابير هذا التوحيد ذلك الاحتمال الكبير بأن تغلق المكتب التمثيليّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن. وثمّة من يقول إنّ إدارة ترامب قد تقدم على خطوات ابتزاز أخرى وأخطر، من نوع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما هدّدت به قبلاً.
لكنّ الأهمّ هو السبب وراء ذلك: ما يتردّد عن «صفقة» يُفترض بالسلطة الفلسطينيّة في رام الله أن تشارك فيها، علماً بأنّ هذه الصفقة قد لا تلحظ حتّى مسألة الاستيطان الإسرائيليّ، وقفاً وتفكيكاً، في أراضي الفلسطينيّين!
تنضمّ الخفّة إلى العجرفة إلى التجاهل إلى الظلم، في حزمة واحدة تتعامل بها واشنطن مع الفلسطينيّين. لكنّ واشنطن الترامبيّة لم تكن أحسن حالاً مع السوريّين حين أقدمت على تدمير مدينة الرقّة على نحو تعجز أفلام الخراب الهوليووديّة عن إتيانه. والتدمير هذا لم يأت إلّا ترجمة لتلك النظريّة التي تختصر المسألة السوريّة، وسواها من مسائل المنطقة، في «الحرب على الإرهاب».

اقرأ أيضاً: تشدد وليونة ديبلوماسية ماكرون في الشرق الأوسط لسد فراغ غياب أميركا

أمّا الأكراد في شمال العراق، ممّن درج الإعلام على وصفهم بـ «أصدقاء الولايات المتّحدة»، فحظّهم من رعاية ترامب لم يكن أفضل. لقد تمّ التخلّي تماماً عنهم في مسعاهم لنيل استقلالهم. بهذا قُدّمت لطهران هديّة ثمينة جدّاً تُعينها على استكمال استراتيجيّتها في التمدّد إلى المشرق العربيّ. وثمّة إشارات أخرى إلى هديّة ثانية محتملة مسرحها جنوب سوريّة، حيث تواجه الولايات المتّحدة البناء العسكريّ الإيرانيّ – «الحزب اللهيّ» بالتجاهل والتعامي. وربّما تأدّى عن الانكفاء الأميركيّ هنا حرب مجنونة بين الإسرائيليّين والإيرانيّين تطحن ما لم يُطحن بعد في سوريّة، وربّما في لبنان أيضاً.
توحيد مظلوميّات المنطقة على هذا النحو جزء من نهج يتبعه السيّد ترامب ابتداءً ببلده نفسه، على شكل انحياز ضريبيّ فاضح لكبار الأغنياء. وهو لا يستثني أيّاً من مشاكل العالم الكبرى التي تتعامل معها، أو تتجاهلها، سياسات سيّد البيت الأبيض.
وهذا واقع يدلّ على صعوبة تعافي العالم حين تكون أميركا مريضة إلى هذا الحدّ. وفي منطق الحساب النهائيّ، لن يكون الفارق كبيراً بين أن يكون ترامب وسياساته المصدر الأوّل للضعف، وأن يكون انقلاب موازين القوّة في العالم، متجسّداً في الترامبيّة، هو هذا المصدر.
يبقى، في ما خصّنا، أنّ ثمّة ما يلحّ على ضرورة المبادرة وعدم انتظار التعافي الأميركيّ، أقلّه، على صعيد الشرق الأوسط، والشروع بترميم وحدة المظلوميّات الكبرى التي تئنّ منطقتنا تحتها، كما تئنّ جزئيّاً تحت وطأة تناقضاتها.

السابق
القضاء يدعي على فداء عيتاني بناء على شكوى وفيق صفا
التالي
السعودية: التصعيد في لبنان.. لا من الخارج