المستقبل و14 آذار: اتهامات وتخوين.. وروليت روسية

منير الربيع

غريب ما يحصل مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار. كل ما يجري يتخطى حدود المنطق والمعقول. تخالف العلاقات بين هؤلاء، قواعد القواسم المشتركة. فلم تستطع الأزمة التي ألمّت بهم، جمع عضدهم، أو توحيدهم على كلمة سواء. أظهر ما جرى مع الرئيس سعد الحريري حجم الترهّل داخل التيار، وبين هذه القوى، إلى حدّ بلغت فيه الاتهامات بالإنتهازية والتخوين، أقصاها. كثيرون ينتظرون وقوع الحريري، للتحضير لوراثته. هذه لم تعد مجرّد اتهامات أو تحامل. هم من دلّوا على ذلك بأنفسهم. فرق متناثرة تعمل على التصويب على فرق أخرى. يصف البعض تقاذف الاتهامات، بأنه سلوك الأطفال، والذين يتقاتلون على تسجيل النقاط على بعضهم، بدافع الغيرة، الحسد، الطموح ومنطق اللّهم نفسي.

بدأت حفلة التخوين من قبل الوزير ثامر السبهان، الذي أشار في إحدى تغريداته إلى أن الأيام ستكشف من باع اللبنانيين، وأراد المتاجرة بهم. تلتها تغريدات أخرى للقائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري. مهدّت التغريدات الطريق أمام موجة اتهامات كبرى بحق المستقبليين التسوويين، أو الذين حرصوا على انجاز التسوية مع الرئيس ميشال عون، واستمروا على موقفهم، بعد استقالة الحريري، موفّرين غطاء للمنطق الذي انطلق منه رئيس الجمهورية لمواجهة السعودية، ولتبنّي خطاب “الحريري مخطوف”.

اقرأ أيضاً: التحية لسعد

استمرت هذه الحملة لأيام، حتّى خرج آخرون بحملة مضادة، بدأت بتغريدة الوزير غطاس خوري، التي وجهها إلى أحد أصدقائه، واصفاً إياه بيهوذا الاسخريوطي. توسّعت حفلة الجنون، وانتقل النقاش بدلاً من كيفية توحيد الصف والرؤية لمواجهة المرحلة المقبلة، إلى بذل الجهد لاثبات الخائن من الوفي. لم يحصل أن عصفت أزمة أخلاقية من هذا النوع، بفريق سياسي، ولا حتى بين الأخصام أو الأعداء. لكن الأكيد أنها دليل على “القلوب الملآنة”. وتكشف بواطن الأزمة حجم حروب التحجيم والإلغاء التي كانت تشنّ بين الحلفاء، فانتظر المستهدَفون اللحظة المناسبة، لردّ الصاع صاعين.

وضع البعض تغريدة خوري في سياق تصويب الإتهام إلى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، معتبرين أنه أحد أكبر المحرضين على الحريري وعلى التسوية التي أبرمها، وهو الذي أوصل السعودية إلى اتخاذ هذا الخيار التصعيدي بحق الحلفاء قبل الخصوم، على قاعدة غمز يفيد بأن الحريري لم يستطع تحقيق ما وعد السعودية به، ولم يقدر على الإيفاء بتعهداته.

في المقابل، يتهمّ الطرف الرافض للتسوية ولمسار عون في معالجة الأزمة، المستقبليين المقربين من الحريري ورعاة التسوية بالخيانة. يصفونهم بأنهم خانوا الحريري الأب قبل الإبن. ويعتبرون أنهم وثّقوا علاقتهم مع عون وحزب الله في هذه الأزمة، لمصلحة حسابات تتعلق بالمواقع والمناصب، التي وفّرتها التسوية، لأنهم لا يريدون الاعتراف بالخطأ الذي اقترفوه، معتبرين أن من فتح خطوط التواصل بشكل مستمر مع بعبدا وحزب الله خلال مواجهة السعودية، لم يأخذ بعين الاعتبار حماية رئيس حكومته، أو الحفاظ على ماء وجهه.

حفلة الجنون هذه تقود البعض إلى الرد على الاتهامات، باعتبار أن الحريري هو الخائن، وهو خان رفاقه وشهداء الثورة التي أتت به إلى الواجهة السياسية، كما أنه خان دم والده، حين تحالف مع القاتل، ومع من يريد طمس المحكمة الدولية، لمصلحة العودة إلى السلطة. ويعتبرون أن الخطأ الأكبر في حياة الرجل السياسي يتجلى في حصر اعتباره بأن العمل السياسي محصور بالوصول إلى السلطة. لم يكن أحد يتوقع أن تصل هذه القوى إلى الدرك الذي وصلت إليه.

تفرّق الجمع، إلى فرق وجموع. في المستقبل، ثلاث قوى، أولى صامتة لا سبيل لها غير الانتظار، والقوتان الأخريان تتبادلان الإتهامات بالتخوين، من يريد التسوية يتهم رافضيها بأنهم طعنوا الحريري، فيما الرافضون يتهمون أولئك بتقديم أوراق الاعتماد إلى عون وحزب الله، لضمان موقع لهم في أي تركيبة جديدة ستظهر. وهناك من يعتبر أن القضية لم تعد قضية مواقع ومناصب، لأن لا مجال للتفكير فيها في هذه المرحلة.

في الرد على توصيف يهوذا الأسخريوطي، يردّ رافضو التسوية على مريديها بأنهم باعوا الحريري والسعودية قبل صياح الديك، ارضاء لطموحاتهم. ويعتبرون أن الطيور ستقع على أشكالها. حالة اهتزاز الثقة بلغت حدّاً غير مسبوق. تعتبر القوات اللبنانية وقوى 14 آذار أن الاتهامات التي تساق بحقّهم، يهندسها أقرب المقربين من الحريري، بداعي شنّ هجمة مضادة عليهم. وهذا يعني استحالة وصل ما انقطع فيما بعد.

يأخذ الفرز مداه. والجميع يسمح لنفسه بتوصيف الآخرين، فيضع النائب بهية ونادر الحريري ونهاد المشنوق وغطاس خوري، في خانة خيانة السعودية. فيما آخرون يتهمون النائب عقاب صقر والرئيس فؤاد السنيورة وآخرين، بأنهم يريدون التصعيد طمعاً بدور في المستقبل. لكن الأكيد أن ثمة قطبة مخفية، من شانها أن تشكف كثيراً من الأمور، لأنه في غياب المايسترو الأساسي، يظهر حجم الضياع، وتعدد الأدوار على قاعدة ابتكار كل شخص ما يقوم به ويجتهده.

يرتكز التصعيديون على معطيات بالتصعيد السعودي الذي يوجب ملاقاة هذا الموقف في لبنان. ولكن إلى مَ يستند المتمسكون بالتسوية؟ الأكيد، أن لديهم معطيات أخرى تفيد بأن موقفهم هو المناسب، ويستدلون على ذلك بأنهم أول من توجه إلى فرنسا للقاء الحريري، إذ وصل باريس تباعاً كل من نادر الحريري، والوزيران غطاس خوري ونهاد المشنوق. وعلى هذا الأساس، يتوعدون بعضهم البعض بأن الأيام المقبلة ستكشف من كان على صواب.

المسألة تتعلق بعودة الحريري، وبإطلاقه موقفاً أو إشارة، للتثبت من صاحب الرؤية الأصحّ. فيما السؤال الثاني سيكون: “ماذا بعد؟”. هل سيعود الحريري إلى التسوية أم إلى المواجهة؟ أم إنه سيفضّل تسمية شخصية أخرى تمثّله لرئاسة الحكومة، وتمرير هذه الفترة؟ لا جواب حتى الآن. الطامحون كثر، لكن لا شك أن ما يجري يشبه إلى حدّ بعيد لعبة “الروليت الروسية”.

السابق
أسباب غير ملحوظة في استقالة الحريري!
التالي
لبنان… التعتيم والتمويه