العودة إلى ما بعد اغتيال الحريري وماقبل حرب 2006: سلاح حزب الله

الواقع اللبناني شبيه بمرحلة ما بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري وما قبل حرب تموز..

الأزمة السياسية بدأت الآن، هكذا عبّر الرئيس نبيه بري عن واقع الحال في لبنان مع طي الجدل حول عودة الرئيس سعد الحريري من السعودية إلى لبنان بعد فرنسا، وهذا يعني بالضرورة أنّ التسوية التي قامت في لبنان انتهت، ليبدأ النقاش في تعديلها أو الدخول في مسار تصعيدي على وقع ما يجري في المنطقة.
لقد نجح حزب الله من خلال التسوية التي أتت بالرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، في تحييد سلاحه عن الجدل السياسي الداخلي، وكان الرئيس سعد الحريري متجاوباً مع هذا المطلب، وهو ما وفر لحزب الله فرصة السيطرة على قرار لبنان الاستراتيجي، حتى في قتال تنظيم داعش على الأراضي اللبنانية من قبل الجيش اللبناني قبل شهرين، فرض حزب الله التسوية مع هذا التنظيم الذي نقل مقاتليه إلى خارج لبنان بإشرافه، في تصرف عسكري وسياسي كشف أنّه هو الذي يقرر وليس الحكومة ولا الجيش اللبناني حتى في معركة يخوضها الجيش نفسه.
عملية التدجين التي مارسها حزب الله ضد القوى السياسية لا سيما ما كان يسمى قوى 14 اذار، تمت من خلال مشاركتها في الحكومةوتواطئها مع سلاح حزب الله واستسلام معظم اطرافها للفساد والمحاصصة، وعبر رئيس الجمهورية ايضا الذي وفر لحزب الله المزيد من السكوت على سلاحه ودوره الخارجي بل اغلاق كل النوافذ التي تبرر البحث في هذا السلاح ومستقبله من خلال ربطه بحل قضية الشرق الاوسط، من هنا جاءت استقالة سعد الحريري الطوعية أو بإيحاء سعودي لا فرق، لتفرض إعادة ترتيب جدول الأولويات فوضعت سلاح حزب الله على ما يبدو في رأس القائمة السياسية في لبنان، من خلال مطلب النأي بالنفس الذي سيكون شرط أيّ حكومة متوازنة في لبنان. علماً أنّ الاستقالة وما سيليها سيعيد النقاش إلى المربع أي إلى عشية حرب العام 2006 التي وفرت لحزب الله التمسك بالسلاح وشجعت تمدده نحو الخارج بعد ان رسخه اتفاق الدوحة عام 2008.
حزب الله لن يستجيب وسيحاول الالتفاف على هذا المطلب بمزيد من إغراق البلد في تناقضات تغيب طرح موضوع سلاحه، أو باستخدام سطوة السلاح لفرض ما يريد، ويستند حزب الله إلى أنّ إيران في وضع مرتاح نسبياً في سوريا وفي العراق، وليست في وارد تقديم أيّ تنازل للسعودية في اليمن كما عبر أكثر من مسؤول إيراني حين أحال هذه المسألة إلى أنّها عدوان سعودي على اليمن وأنّها هي المعنية بإنهاء الحرب عبر وقف عدوانها.

وضع سلاح حزب الله على الطاولة تكمن أهميته، في أنّه يفرض ايضا المواضيع الأساسية والوطنية على الطاولة، فلبنان إلى مزيد من التدهور السياسي والاقتصادي، والدولة فيه تفقد العديد من ميزاتها في محيطها العربي والدولي، والعالم يدرك أنّ السلطة في لبنان هي بيد حزب الله وبالتالي إيران، وهذا ما ليس مقبولاً لدى الاوروبيين والعرب والأميركيين، فضلا عن اكثر من نصف اللبنانيين وإن اختلفت ردود الفعل ووتيرة المواقف والخطوات بين هذه الدول. طرح المواضيع الاساسية على الطاولة سيفرض البت بمفهوم الدولة والوطن والسيادة وعلاقات لبنان الخارجية واي دور للبنان في محيطه، من خلال نقاش مستقب سلاح حزب الله وعلاقته بهذه الأسس.

إقرأ أيضاً: الحريري وحرب الصقور: السبهان-حزب الله

اما وتيرة التصعيد المتوقعة من السعودية ضد لبنان، فيرى بعض المراقبين أنّها ستفتح نقاشاً جدياً داخل النخبة المسيحية، يتصل بكيفية حماية نظام المصالح اللبناني، والأرجح أنّ الساحة المسيحية ستشهد انقساماً بين تيار يمثله الرئيس عون من خلال ما عبّر عنه من مواقف ضد الرياض، وانسجامه الكامل ع حزب الله، وفئة أخرى ستجهد للدفاع عن نظام مصالحها الذي يرتبط باستمرار وتطور العلاقة السوية والطبيعية مع دول الخليج، علماً أنّ إيران ليس لديها أيّ قوة ضغط على هذا الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، بسبب ضآلة نظام المصالح بين الدولتين وهامشيته مع المسيحيين.
من هنا يمكن ملاحظة معنى جولة وزير الخارجية جبران باسيل في أوروبا، انها تأتي في سياق القول أنّ موقف الرئيس عون له سند أوروبي وليس إيرانياً فحسب، لكن مع طي صفحة عودة الحريري سيعود النقاش إلى الجوهر، ففرنسا التي لا تريد ربما أن تكون على الموجة السعودية تماماً، إلاّ أنّ الفرنسيين أنفسهم هم من تحدثوا في اليومين الماضيين عن عقوبات على إيران بسبب الصواريخ البالستية، وهم ليسوا في وارد تغطية سلاح حزب الله، فالهدف واحد مع أقرانهم في الرياض وفي واشنطن، لكن يختلفون في الأدوات لتحقيق الهدف، إذ لا يجب أن ننسى أنّ لفرنسا دور أساسي في القرار 1559 والقرار 1701 الدوليين، وهما قراران يرتكزان على نزع سلاح الميليشيات ومن بينها سلاح حزب الله.

إقرأ أيضاً: ما رأي حزب الله بمذكرة التوقيف السورية بحق الحريري؟

كرة الثلج تكبر ومحطة الجامعة العربية في القاهرة الأحد، ستشكل مرحلة إضافية ومفصلية بعد استقالة الحريري، وستساهم في عودة النقاش إلى المربع الآول، آي سلاح حزب الله، ولكن هذا سيرتبط  إلى حد كبير بكيفية تعامل الداخل اللبناني مع هذا التصعيد، وكيف ستكون المواقف الخارجية من الاصطفافات الداخلية، فيما المحافظة على التوازن سيجعل الطائفة السنية في لحظة البحث عن نقطة التوازن التي ستكشف أنّ الغطاء العربي هو حاجة بقاء للبنان لن يعوضه في ظلّ المواجهة الاقليمية بين إيران والسعودية، الجلوس القاتل على ضفة النهر.

السابق
هل فعلا طعن جعجع الحريري في ظهره اثناء غيابه في الرياض؟
التالي
هل يعود الحريري ليكافئ الرئيس عون فيتحالف معه؟