يوم أنقذت آلة البيانو رامي من الموت المحتم

مارسيل خليفة يكتب للمرة الاولى عن ابنه الفنان رامي هذا النص الجميل.

كان رامي في السادسة من عمره عندما غادرمع عائلته قسراً مدينته الأم بيروت الى أمكنة لا يعرفها ولم يخطط لها. وصارت أشياء الطفولة المتروكة في بلده الأم يختزنها كما يختزن العالم بداخله ، المدينة، الضيعة، اللوز المعلق على الشجر، البحر الذي يسكن جنب البيت ، وحشية الحروب المدججة بالطائرات والدبابات والمدافع والحواجز، “جده“ الذي تركه في ”المنطقة الشرقية“ الممنوعة عليه زيارته ”وجدته“ الصابرة في الجنوب المحتل .

أذكر قبل هجرته القسرية بأيام كان يلعب بدراجته الصغيرة الهوائية على بلكون المنزل، وما ان لمح آلة البيانو لأول مرة نزل عن دراجته وتركها مكانها وأسرع بأتجاه البيانو ليلامسه ويتفقده وكأنهم رفاق من عشرات السنين، لحظات معدودة ليستهدف القصف العشوائي المنطقة التي كنا نسكن فيها في المنطقة الغربية وبالتحديد في محلة مارالياس بناية ”غزيزي“، كانت القذيفة الأولى من نصيب البناية التي نقطنها حيث شظاياها أصابت مباشرة البلكون حطمت الدراجة وبعثرت أجزأءها ورمت بهم الى الشارع العام حيث الباعة والمارة ، هكذا أنقذت آلة البيانو رامي من الموت المحتم.

إقرأ أيضاً: لماذا مُنع مارسيل خليفة من دخول الكويت؟

رامي ذهب ليكبر بعيداً، بلا وطن، حيث أمضى عشر سنوات في باريس يدرس الموسيقى في معاهدها المشهورة، وعند بلوغه سن السادسة عشر، غادر باريس الى نيويورك ليتابع دروسه الموسيقية في أكاديمية ” جوليارد سكول”.

ذهب رامي ليبحث عن معنى جديد للموسيقى

لعل الموسيقى تحفظ الأشياء الأولى التي عاشها في طفولته في الذاكرة.

اليوم

نستمع الى الجزء الثاني من حكايات البيانو والأوركسترا، حكايات رامي تروي الحرب والحب بين المكان والزمان.

كل شيء في متناول الأصابع والمخيلة ومن هنا تبدأ الخارطة والنوتات.

من أين جاء هذا الطفل الذي كان يلعب كل الوقت على دراجته الهوائية بهذه الذاكرة ليكتب حكاياتيه الأولى والثانية على البيانو وبرفقة الأوركسترا.

اذا كان يلعب فتلك هي شروط اللعب لحكايات مفتوحة على الجهات كلها والمفارقات كلها والأسئلة كلها ايضاً.

نمضي في الأستماع يلتفت القلب الى طفولة ذهبت لتعود اليه كالحلم، ورحلة لا تنتهي في البحث عن وطن.

رامي خليفة غمرنا بنعمة الموسيقى فأي أحتمال من دونها.

ومن حكاياته ايضاً

يا رامي أن جميع حواسي تنسكب لتلامس هذه الموسيقى الرابضة بين اصابعك . مثل عصا “لبنان” ، التي تنؤ بثقل نوتاتها والتي تهطل مثل المطر وأنحني في تحية مرفوعة لك

آه من مساء قريب أراقب القلوب الشابة الشاردة وهي تلتقي في القاعة بعيون ملتهبة خاشعة، تلتمس ان تحطم موسيقاك سكونها.

فمن ينسج أغانيها العاشقة

في الوجوه ابتسامات بسيطة وعذبة

أنغام النايات عالية

تمضي بنا ساعة من الأحلام، كيف نلمس حافة البعد المبهم؟؟

يا لروعة النداء الذي يهتف به وترك!!

آه أيها الهدف القصي

كيف نجد الفضاء لبسط أجنحتنا ؟؟

أستسيقظت

بعد ليلة صارخة مع يقظة العصافير المبكرة وجلست الى النافذة أتأمل ضباب الصباح الوردي تتلألأ فيه أشعة الشمس. البيوت صامتة ساكتة. ان قلبي فقط هو الذي يدق بحب فائق ولا اعرف كيف أهدئه.

ان الحب بسيط مثل الموسيقى.

جميل هو أيقاع لحنك المزين بالفرح كأنه طائر سماوي وقد بسط جناحيه واخذ يحلق ببراعة

في اضواء الغروب الوردية

أنه يخفق كنبض الحياة

أنه يلمع مثل اللهب الصافي الذي يلتهم بسعيره المتقد أحاسيسنا الأرضية.

حديث على علو 40 الف قدم عن هوى حكايات رامي خليفة للبيانو والأوركسترا.

لماذا هذا الجنون البادي بحكايات البيانو والأوركسترا؟..

لاأدري ربما الحرب التي شربتها صغيرا !!! ان يدي متعبتان تحت ثقل ذاكرة طفولة الحرب.

هل تحمل زهرة تائهة في قلبك؟

اذا كان ثمة شوكة أتحملها وذلك لأنني أثق بجمال الوردة ولو عذبني شوكها ويبقى عطرها يوقظ في الموسيقى.

ولو كنت لحظة فرح ؟

لأزهرت في أبتسامة لطيفة.

لو كنت الألم ؟

أتحلل في دموع صافية كاشفاً عمق اسراره …

لو عدت طفلاً؟

يتلفت القلب دائما الى طفولة ذهبت لتعود حالمة وتتورد في حكاياتي بلهيب الموسيقى .

هل تبحث عن ملامح ذاتك في الحكايات؟

أعزف حياتي كما اعيشها وكما اراها … أعرف اصابعي دون ان أخفي شيئاً او أصون شيئاً.

هل تصدق الكلام؟؟؟..

أضع ثقتي بالأحلام

إقرأ أيضاً: إلى بشار خليفة لا تيأس.. فثقافتنا كما حريتنا «عضو ذكري»

السابق
ريفي للمشنوق: بلش من طريق المطار وبس توصل عطربلس.. منحكي!
التالي
إطلالة خاصة للرئيس سعد الحريري