الحريري وحرب الصقور: السبهان-حزب الله

يبدو المشهد اللبناني الدستوري والحكومي هامشياً إزاء مشهد إقليمي يفرض نفسه بقوة في المنطقة العربية، استقالة الحريري باتت تفصيلاً وحتى عودته أو عدم عودته إلى لبنان تفصيل بسيط، فثمّة مواجهة أعلنتها الرياض ضد إيران وأذرعها وتحديداً حزب الله، حرب تكاد تتعامل معها القيادة السعودية على أنّها حرب وجودية.

هل بدأت معركة ما بعد الحرب على تنظيم داعش؟ ربما هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل القوى الإقليمية والدولية في المسرح العراقي والسوري على وجه التحديد، وهو السؤال الذي تقدم ليفرض نفسه بقوة مع إعلان استقالة الرئيس سعد الحريري من موقع رئاسة الحكومة في الرابع من شهر تشرين الثاني الحالي، ومع إعلان السعودية على طريقتها المواجهة الشاملة مع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وتحويل لبنان إلى ساحة مواجهة.
المشهد إقليمي بامتياز والمواجهة الإقليمية المفترضة بين إيران والسعودية، لا أحد يعرف كيف تبدأ،  مؤشراتها اليوم ما غرده السبهان “كل الاجراءات المتخذة تباعا وفي تصاعد مستمر ومتشددحتى تعود الامور لنصابها الطبيعي”، فالمسرح النفسي والسياسي في الإقليم، يتحضر لهذه المواجهة لكن من دون أن تتضح البداية، استقالة الحريري ليست بداية المعركة، هي إعلان نهاية مرحلة، لكن لم يصل هذا الاعلان إلى مستوى بدء المعركة الإقليمية المفتوحة بين إيران والسعودية.

لبنان أحد أهم ساحات المواجهة المرتقبة والتي قد تبدأ سياسية وتتدحرج لتصبح اقتصادية أيضاً، لتنتهي إلى الأمنية والمواجهة العسكرية. ثمّة مؤشرات عدة تؤكد أنّ مستوى عالٍ من التنسيق الأميركي-السعودي قائم لكن من دون أن نغيّب ما قالته وزارة الخارجية الاميركية من أنّها لم تكن على علم باستقالة الحريري، وهذا قد يشير إلى أنّ توقيت الخطوة السعودية الهجومية لم يكن منسقاً بالكامل مع الإدارة الأميركية، وقيام وزير شؤون الخليج في السعودية ثامر السبهان بزيارة واشنطن أمس، لا بد أنّه يأتي في سياق تنسيق الخطوات ووضع الأميركيين في أجواء الخطوات السعودية التي فرضت التحرك السعودي الأخير تجاه لبنان. ولا بد من الإشارة في هذا السياق أنّ السبهان وانطلاقاً من التغريدات والتصريحات التي أطلقها في الأسابيع الأخيرة وإثر استقالة الحريري، تضعنا أمام ثنائية جديدة للمواجهة لا تقوم على الحريري-حزب الله، بل على ثنائية جديدة سبهان-حزب الله. وما يعزز من هذه الفرضية اتهام السعودية المباشر لحزب الله بأنّه هدد الأمن السعودي، ولا سيما اتهامه بإطلاق صاروخ باليستي ايراني من اليمن باتجاه الرياض قبل أيام.
كرة الثلج الإقليمية تتدحرج وثمّة انطباع أنّ الرئيس الحريري لن يكون رأس حربة في المواجهة، ربما لأسباب تتعلق بشخصيته الذي لا يريد ان يتحمل تبعات هذه المواجهة التي تبدو قواعد الاشتباك فيها إقليمية حتى في بعدها المحلي، ويعلم ربما أنّ حجم المواجهة سيكون اكبر من قدراته على تحمل تداعياتها، بل أنّ اللبنانيين لن يستطيعو أن يتحكموا بمساراتها، ربما لقناعته أنّ حزب الله لن يقبل بشروط الانسحاب من الإقليم لصالح استنقاذ لبنان من خطر المطحنة الإقليمية الكبرى.

سعد الحريري في السعودية

المشهد الإقليمي هو الأساس، أمّا المشهد المحلي اللبناني صار أكثر هامشية، وغير ذي جدوى في تعديل موازين القوى،أو التأثير في حدة المواجهة، هي مواجهة الثابت فيها، عدم العودة إلى قواعد اللعبة السياسية التقليدية السابقة، التي بُنيت من الأساس لصالح حزب الله، ومنذ اتفاق الدوحة عام 2008 وتكررت بوجوه مختلفة في السنوات اللاحقة، وعنوانها الأهم إعطاء سيادة كاملة لسلاح حزب الله، أما “النأي بالنفس” فكان للدولة، بمعنى تحييد الدولة عن الصراعات الإقليمية والسماح بانغماس القوى السياسية اللبنانية في هذه الصراعات.
وهذه المعادلة التي أسس لها اتفاق الدوحة، نقل الصراع الداخلي من الصراع حول تثبيت مشروع الدولة، إلى صراع على من يمثل طائفته، ومن يستطيع أن يثبت أنّه الأب لطائفته؟ لذا بعد عام من تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية، برهن على أنّه صاحب مشروع سلطة ولا يملك أو يسعى إلى ترسيخ مشروع الدولة، الأساس لديه كيف يستقر كأب للمسيحيين والأقدر على إدارة نظام مصالحهم ولكن من خارج مشروع الدولة.

إقرأ أيضاً: استقالة الحريري: من ربط النزاع الى تفجيره

وعلى رغم عدم اتضاح الاستراتيجية السعودية للمواجهة في لبنان وفي سوريا، لكن انضمام لبنان إلى الجبهة العراقية السورية، بات شبه مؤكد، وأنّ “قواعد اشتباك” جديدة حلت محل “ربط النزاع” فهذا واضح وجارح، أما الغموض فهو على الأرجح عنصر من عناصر ارباك الخصم، ويبقى التساؤل قائماً حول الموقف الأميركي، فغياب الاستراتيجية الواضحة حتى الآن مع هذا الغموض، يشبه لحظة التريث وربما حالة التربص المتبادلة، بانتظار من يطلق الرصاصة الأولى وكيف؟
الطرف الإيراني في وضعية تريث، الأرجح أنّ أمين عام حزب الله سيعبر عنه غداً الجمعة في خطاب مقرر بذكرى أربعين الحسين ويوم شهيد حزب الله، وفي قاعة بضيوف محددين بالمئات، خطاب سيعطي إشارة ولو شكلية بعدم رغبة حزب الله في الخروج من حالة التريث، باعتبار أنّ حزب الله كان قادراً على تنظيم حفل جماهيري حاشد في قاعة سيد الشهداء التي تستوعب الالاف من الحضور.

إقرأ أيضاً: بعد استقالة الحريري وتصاعد التهديدات: طبول الحرب تقرع بين السعودية وايران

لقد أثنى الرئيس دونالد ترامب على خطوات السعودية الأخيرة في الداخل السعودي، إلاّ أنّ ذلك لم يكشف حتى الآن إن كانت واشنطن متطابقة مع الموقف السعودي سواء في توقيت إعلان المواجهة أو في تكتيكاتها اللبنانية، كما هما متطابقان في استراتيجية إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، الأرجح أنّ السعودية اتخذت القرار لحسابات فرضها ما لمسته من تهديدات لأمنها، يبقى أنّ الموقف الأميركي رهن بلورة الاستراتيجية المشتركة مع الرياض في المسرح السوري واللبناني. فيما الموقف اللبناني بات مدعواً بقوة وقبل أن تباغته الحرب من الخارج، إلى التكيف مع قواعد اللعبة الإقليمية الجديدة ومتطلباتها  من أجل تحييد لبنان أو لإنجراره في حرب ضروس، وهي قواعد تنسف كل شروط التسوية السابقة في لبنان التي رسخها حزب الله بغطاء حريري، علماً أنّ المؤشرات السعودية وتغريدات مسؤوليها، تستبعد حصول التسوية بين رأسي حربة المشروع الإيراني في لبنان والمنطقة أي حزب الله ورأس حربة المشروع السعودي في لبنان اليوم ثامر السبهان.

السابق
ريتشارد: 42.9 مليون دولار جزءا من برنامج سداد تكاليف العمليات الحدودية للحكومة اللبنانية
التالي
المستقبل: عودة الحريري ضرورة لاستعادة الاعتبار والاحترام