إرباك سياسي واجتماعات مكثّفة لتطويق ارتدادات استقالة الحريري

ميشال عون وميشال سليمان
تحت تأثير الصدمة المدوّية التي خلفتها استقالة الرئيس سعد الحريري، تحوّل البلد إلى ما يُشبه خلية استشارات مفتوحة تسعى بكل ما أوتيت من قوى رئاسية وسياسية وروحية إلى محاولة امتصاص تداعيات الصدمة مؤسساتياً ومالياً واقتصادياً وأمنياً وسط حالة من "الترقب والتريث".

قالت “النهار ” صدق المثل اللبناني القائل ان المصيبة تجمع، اذ تحول قصر بعبدا خلية نحل جمعت منقطعين عن زيارته ولقاء سيده أبرزهم الرئيس اميل لحود والنائب سليمان فرنجية، الى الرؤساء السابقين للجمهورية ومجلسي النواب والوزراء، في ما يؤكد تهيب الموقف الناتج من استقالة الرئيس سعد الحريري، واعتبارها مقدمة لمواجهة مفتوحة بين السعودية وايران تشمل “حزب الله” بالطبع، ولا تستثني مؤسسات متعاونة، وان تكن حكومية، بل الحكومة في ذاتها.

ومع صعوبة بدء عملية استشارات تسبق تكليف رئيس لحكومة جديدة، باشر الرئيس ميشال عون أوسع عملية مشاورات مع مختلف الاطراف السياسيين ضماناً لعدم انزلاق أي فريق الى التصعيد، ولعدم التأثير في الوضعين المالي والاقتصادي، ولتبادل الافكار و تقاسم المسؤولية. وكان توافق على التريث في اتخاذ اي خطوات قبل اتضاح الرؤية وعودة الرئيس الحريري وشرحه ظروف استقالته، ورؤيته للمرحلة المقبلة ودوره فيها. وقد شرح الرئيس عون لزواره أنه لن يتعامل مع الاستقالة على انها نافذة من منطلق سيادي ودستوري، أولاً لانها أعلنت من خارج الاراضي اللبنانية خلافاً للأعراف والتقاليد، وثانياً لأن قبولها وإصدار بيان التكليف لتصريف الاعمال يقتضي أيضاً وجود الرئيس الحريري في لبنان.

إقرأ ايضًا: بعد استقالة الحريري الملتبسة: ما هو مفعول التهديدات السعودية؟

في المقابل، دبت الحركة في دار الفتوى عبر لقاءات شملت مختلف التلاوين السياسية، أكدت خلالها الدار أولوية عودة الرئيس الحريري إلى بيروت. كما دعت إلى التريث في تشكيل أي حكومة مقبلة، وعدم تأليفها من دون تنسيق مع الحريري الذي لا بديل منه مرشحاً في الوقت الحاضر.

 

في الغضون، لاحظ  ” المستقبل”خلال الساعات الأخيرة ارتفاع منسوب القلق الدولي جراء تطوارت الأحداث في لبنان، إذ وبينما اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني أنّ هذه التطورات تشكل “مصدر قلق” أوروبي بُعيد استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، أعربت الخارجية الروسية في بيان عن أمل موسكو “في المرحلة الحالية المثيرة للقلق بأن يتمكن اللبنانيون من الاتفاق على حل يتجاوب مع مصالح الحفاظ على السلام المدني والاستقرار في لبنان وأمن هذه الدولة ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام”، داعيةً في الوقت عينه “كل القوى الخارجية التي لها تأثير على تطورات الأوضاع في لبنان إلى ضبط النفس واتخاذ مواقف بناءة، ما يعتبر أمراً بالغ الأهمية في ظل الأوضاع المُعقدة في المنطقة”.

وليلاً، لفتت الخارجية الأميركية في بيان إلى أنها “تدعم حكومة لبنان لكنها تعتبر “حزب الله” منظمة إرهابية”، مشيرةً في ما يتعلق بقرار استقالة الحريري إلى أن واشنطن “لم تتلقَّ إخطاراً مسبقاً” به.

وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ”الجمهورية”: “ما حدثَ في لبنان لناحية استقالة الحريري “هو محلّ متابعة حثيثة، خصوصاً انّ الجميع يدركون حساسية الوضع اللبناني، الذي يعانيه منذ سنوات”.
ونَقلت تخوّف مراجع عربية على الوضع في لبنان، وتأكيدها بأنّ هذا الوضع يضع المسؤولين اللبنانيين من دون استثناء امام مسؤولية صونِ بلدهم، وعدمِ الانزلاق الى ايّ امور او خطوات او انفعالات يمكن ان تؤثّر سلباً على لبنان، وتزيد من تفاقمِ الأزمة الحالية”.

في المقابل، أكّد مرجع أمني لـ”الجمهورية” أن “لا خوف على الوضع الامني، خصوصاً وأنّ جملة تدابير اتّخذتها مختلف الاجهزة الامنية لمنعِ ايّ محاولة للعبَث به”.

يأتي هذا الكلام في وقتٍ أشيعَت في بعض الاوساط مخاوف من حصول حوادث امنية، تفتعلها أجهزة معادية للبنان. ويأتي ذلك ايضاً في وقتٍ يتّضح فيه اكثر فأكثر انّ البلاد امام أزمة وطنية اكثر ممّا هي ازمة حكومية، بدليل نوعية المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والزيارات المتبادلة بين مختلف القيادات اللبنانية، وتحوُّل دار الفتوى محجّة للسياسيين، في وقتٍ غادر الحريري الرياض لبضعة ساعات الى ابو ظبي، وقابلَ وليّ العهد الشيخ محمد بن زايد، وقفلَ عائداً الى المملكة، دون ان يحوّلَ مسارَه نحو بيروت. هذا في وقتٍ أحيطَت فيه هذه الزيارة بإشاعات وتحليلات حول وضعه.

إقرأ ايضًا: قلق على مصير الرئيس الحريري وتساؤلات حول إقامته في السعودية

لماذا من الرياض؟

في هذه الأثناء اعتبر دبلوماسي عربي بارز لـ “اللواء” أن إختيار الرياض مكاناً لإعلان استقالة حكومة الحريري تمّ عن سابق تُصوّر وتصميم للتأكيد على قدرة المملكة العربية السعودية بالتأثير في الواقع السياسي اللبناني بعد أن أخلت الأطراف المؤيدة لحزب الله بأسس التسوية التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري، وتخلت عن التزاماتها بتحييد لبنان عن الصراعات القائمة، واستمرت في محاولاتها لإلحاقه بالحلف الإيراني واستعماله كمنطلق وقاعدة لاستهداف الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها.

 

وقال المصدر لـ”اللــواء”: ان الإخلال بالتوازنات السياسية القائمة ومحاولة الاستقواء بسلاح الحزب لمصادرة قرارات الدولة اللبنانية كانت إحدى الأسباب التي أدت إلى استقالة الحكومة الحريرية، في حين كان بالإمكان تجنّب هذه الخطوة لو التزم رئيس الجمهورية بأسس التسوية وتصرف كرئيس فعلي للبلاد وعلى مسافة واحدة من كل الأطراف من دون الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك إلا بما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين.

 

وشدّد الدبلوماسي المذكور على ان مسألة استقالة الحكومة لا تحتمل التأويل بعد بيان الاستقالة التفصيلي الذي تلاه الرئيس الحريري، بينما يبقى تأليف حكومة جديدة مرتبطاً بمراعاة مبادئ التسوية وأسسها والحفاظ على التوازنات السياسية ووضع حدّ لكل الأعمال والممارسات التي يقوم بها الحزب ضد الدول العربية انطلاقاً من لبنان والالتزام بسياسة النأي عن النفس والحيادية في الصراعات القائمة بالمنطقة وأي محاولة لتجاوز هذه المبادئ والأسس والتوجه إلى تأليف حكومة جديدة من لون واحد تميل لصالح “حزب الله” وإيران كما حصل نهاية العام 2010، ستؤدي حتماً إلى زيادة عزلة هذه الحكومة والرئاسة معاً واتخاذ اجراءات فورية لمقاطعتها من معظم الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، سياسياً واقتصادياً وعلى كل المستويات.

السابق
الخارجية الأمريكية: لم نكن على علم باستقالة الحريري
التالي
وهاب : لن نرضى بغير الحريري!