هل رهنت تركيا دورها في العراق بالنفوذ الإيراني؟

كردستان

في نهاية سبتمبر الماضي، أصر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني على إجراء الاستفتاء بالرغم من كل النصائح والتحذيرات التي نُقِلت له من الأصدقاء والخصوم على حدٍّ سواء. بالنسبة الى المسؤولين الأتراك، كان رفض بارزاني للنصائح التركية بمنزلة صفعة قويّة لهم، ولذلك سعت تركيا بكل الوسائل لأن يدفع ثمن ذلك بالرغم من انّها كانت الداعم الأبرز له خلال المرحلة الماضية.
وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء أو عن حسابات بارزاني المتعلقة بإصراره على إجرائه، الا انّ النتيجة اليوم تشير الى انّه قد خسر معركته الأخيرة بشكل درامي. الخسارة لم تتوقف هنا على مسعود بارزاني، فقد خسر الاقليم كذلك المكتسبات التي كان قد حققها خلال السنوات الماضية، وفقدَ المكوّن الكردي العراقي كذلك تماسكه الداخلي إثر إعادة انبعاث الصراع التاريخي بين الاخوة الأعداء، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع للرئيس الراحل جلال الطالباني، والحزب الديموقراطي الكردستاني التابع للبارزاني، مضافا إليهما اللاعب الصاعد في الميدان الكردي مؤخراً وهو «حركة غوران» أو حركة التغيير.

اقرأ أيضاً: الحرب على لبنان مسألة وقت

الرابح الأكبر
على المستوى العراقي، لا شك انّ التراجع الكردي مصحوباً بالتشرذم الداخلي سيجعل وضع المكوّن الكردي ضعيفاً في أي مفاوضات مستقبليّة مع الحكومة المركزيّة في بغداد. أمّا على الصعيد الإقليمي، فهناك جدل حول هوية الرابحين والخاسرين جرّاء التطورات المتسارعة في العراق خلال الشهرين الماضيين.
بعض الدول الاقليمية التي لم تخف دعمها انفصال الاقليم عن العراق، خسرت ورقتها الكرديّة بالتأكيد، لكن هناك من يلفت الى انّ دورها وظيفي في جميع الأحوال، ولذلك لا تأثير كبيرا لها على الحسابات الجارية في هذا الصدد. بمعنى آخر، دور بعض دول الاقليم هناك لا يخرج عن إطار ما تريده الإدارة الأميركية، ومن الواضح انّ مصداقيّة واشنطن قد تضررت بشكل كبير بعد العمليات العسكرية التي أطلقتها الحكومة العراقية ضد الإقليم سيما انّ سلطات الإقليم كانت تتوقع ربما ردّ فعل مغاير من قبل الإدارة الاميركية بصفتها الداعم الأكبر للمكوّن الكردي.
على الطرف الآخر، تبدو إيران الرابح الأكبر مما جرى هناك حتى الآن. الميليشيات المسلحة المحسوبة عليها (الحشد الشعبي)، شاركت إلى جانب القوات العراقية في المعارك التي دارت، بل وشكّلت هذه الميليشيات رأس الحربة في الهجوم، وهو الامر الذي أدى الى تعزيز شرعيتها ودورها، وتأكيد هيمنتها على الأرض. خصوم البرزاني السياسيين والمحسوبين على إيران أصبحوا في وضع أفضل مما كانوا عليه سابقا، وهناك من يعتقد انّ طهران كانت قد وعدتهم بمكافأة عندما تهدأ الامور مقابل التخلي عن البرزاني في هذه المعركة سواء من الناحية السياسية او العسكرية.

الموقف التركي والنفوذ الإيراني
أمّا فيما يتعلق بتركيا، وهي المعني الرئيسي هنا، فهناك وجهتا نظر حتى الآن في الموضوع. الأولى تقول إنّ الجانب التركي خسر منذ أن أصر البرزاني على الاستفتاء، بدليل أنّ أنقرة فشلت في استخدام ما لديها من نفوذ سياسي واقتصادي وأمني من اجل إقناع رجُلها بالتوصل الى صيغة مقبولة والتراجع عن قراراه. ونتيجة لذلك، وجدت تركيا نفسها مضطرة الى الاقتراب من الأجندة الإيرانية في العراق كي لا تخرج من المعادلة بخفّي حنين.
الموقف التركي جاء محمّلاً أيضاً بالتكاليف، فأنقرة التي كانت تعترض بشدة سابقاً على دور ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، سواء في العراق بشكل عام أو قرب حدود الاقليم وتركيا بشكل خاص، اضطرت الى السكوت هذه المرة، ولم تعلّق على الأمر. بعض المصادر أشارت إلى أنّ هذا الموقف جاء ضمن اتفاق مع إيران وحكومة بغداد المركزية، وأنّ تركيا اشترطت انسحاب ميليشيات الحشد بعد القيام بمهمّتها الموكلة إليها، لكن لا يوجد ما يؤكّد إذا ما كان هذا الأمر صحيحاً بالفعل، أو أنّ أنقرة اضطرت في نهاية المطاف إلى القبول بالأمر الواقع.
هناك نقطة أخرى تتعلق كذلك بالوضع داخل إقليم كردستان. أعلن البرزاني نهاية الشهر الماضي عزمه التنحي عن رئاسة الإقليم، وعدم التجديد مرّة أخرى، وتوزيع صلاحيات المنصب على السلطات الثلاث (الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء)، وهذا يعني تحوّلاً في ميزان القوى داخل الاقليم، وهذا يعزز فرضية انّ الأطراف الكردية المحسوبة مسبقاً على الجانب الايراني أصبحت في وضع أفضل. وإذا ما أضفنا هذا الأمر الى حقيقة ان وضع ميليشيات «الحشد الشعبي»، وكذلك حكومة بغداد المركزية، قد تعزّز بعد العمليات الأخيرة، وذلك بموازاة تراجع نفوذ البرزاني في إقليم كردستان، وانحسار سيطرة «داعش»، فان الاستنتاج الأساسي لعمليات التحوّل الجارية في ميزان القوى بين اللاعبين داخل العراق تشير إلى تقدّم في نفوذ إيران على حساب نفوذ تركيا.

شبح الانفصال تبدد
لكن وجهة النظر الأخرى تقول كلاما مغايرا. فتركيا حقّقت ما تريده في نهاية المطاف بأقل التكاليف الممكنة، فالاستفتاء أصبح من دون قيمة عملية، وبارزاني عوقب بشدّة على عدم تقديره للدعم التركي خلال المراحل السابقة، وشبح انفصال الاقليم يتبدد. فضلاً عن ذلك، يمكن الادعاء بانّ الحكومة العراقية وأذرع ايران قاموا بالمهمّة المطلوبة بالنيابة عنها، فلم تتورط تركيا بعمل عسكري كما هي حال الميليشيات العراقية المحسوبة على ايران، ولم يكن لها دور في الخلافات الداخليّة بين المكونات الكردية كما هي الحال مع إيران مثلا، وأدت الازمة في الاقليم الى تحسّن نسبي في العلاقة مع حكومة بغداد المركزية – على الأقل في هذه المرحلة – كما حصلت أنقرة على بعض التنازلات من الحكومة العراقية في ما يتعلق بملاحقة حزب العمّال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.
الأهم من ذلك بحسب وجهة النظر هذه، انّ أنقرة حافظت على موقع قد يمكّنها لاحقا من إعادة ترتيب أوراقها بطريقة مختلفة تتيح لها الاستفادة من السمعة السيئة التي تحظى بها إيران لدى المكون الكردي على وجه الخصوص وهنا مربط الفرس بالتحديد. إذ تراقب أنقرة عن كثب عملية خلافة مسعود بارزاني وسط تكهنات تقول انّ ابن أخيه ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني سيكون اللاعب الأبرز والأكثر ترجيحاً لخلافته.

العلاقة مع نيجيرفان
لا يخفي البعض تفضيلهم أن يتولى نيجيرفان المهمّة باعتباره مرشحاً مثاليا، فهو مقرّب من تركيا وكان قد نسج علاقات طيّبة مع المسؤولين الأتراك خلال المرحلة الماضية، وتم استقباله على مستوى رفيع عدّة مرّات. يقال كذلك في أنقرة بأنّ موقف نيجيرفان الحقيقي من الاستفتاء لم يكن حاداً كموقف عمّه مسعود وأنّ هذا الأمر سيسهّل إعادة تواصله مع الجانب التركي لاحقا. وبالرغم من أنّ رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان كان قد رفض استقباله مؤخراً، الا أنّ مثل هذا الامر سيكون مرهونا مستقبلاً بتقييم رئيس الجمهورية لأي طلب للقائه وفق ما صرّح به الناطق باسم رئيس الجمهورية إبراهيم كالين، وهو ما يفهم منه أنّه محاولة لإبقاء خيارات أنقرة مفتوحة مع نيجيرفان في المرحلة المقبلة.
في جميع الأحوال، لا تبدو مهمّة تركيا سهلة في إعادة ترتيب أوراقها في العراق. كما انّ مسألة ارتباط او عدم ارتباط دورها هناك بالنفوذ الايراني ستتوقف على جملة من المعطيات لا يمكن اختصارها بحال من الأحوال بمجرّد إعادة استقطاب نيجيرفان، فواقع الأرض أصعب من ان يتمكن أي سياسي او حزب تغييره بهذه البساطة، وهنا بالتحديد تكمن الإشكالية في مسألة التعامل مع النفوذ الايراني في المنطقة بشكل أساسي.

السابق
السنيورة: انا على تواصل دائم مع الحريري
التالي
انتهاء اللقاء بين الحريري و الشيخ محمد بن زايد آل نهيان