قرية جنوبية محافظة محاصرة بالمخدرات: الشباب يدخنون الحشيشة وأسماء المطلوبين

لم يمر على لقائه الأصدقاء سوى بضع دقائق، ليأتي أحدهم ويلح عليه بتدخين "سيجارة"، وبعد الإلحاح من جهة ورفض محمود المتواصل من جهة ثانية، أحسّ نفسه خارج نطاق دائرة رفاقه، وبسبب كلماتهم الاستفزازية أخذ محمود صاروخ "الحشيشة" ووضعه بين شفتيه متردداً، ثم أشعله وأخذ بتدخينه كالباقين. جو المكان ممتلئ بالدخان والرندحة معاً، ليصل محمود إلى آخر السهرة وهو يعاني من صداع في الرأس ودوخة صغيرة إلى جانب احمرار العينين.

يوماً بعد يوم، اعتاد محمود تدخين الحشيشة، وبات يطلب “صاروخها” من أصدقائه لتحسين مزاجه دائماً، فأثناء تدخينه الحشيشة لا يشعر بأي ألم، يشعر بالراحة وهدوء البال والابتعاد عن المشاكل، حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: انتشار الكبتاغون في البقاع: 60 مصنعاً في بعلبك وبرالياس والمرج

تجربة فإدمان
يشرح محمود الأسباب التي جعلته مدمناً أو “مجرماً” بنظر البعض، ففي الحادية عشرة من عمره عرض عليه أحد زملائه في المدرسة ان يجرب سيجارة التبغ العادية التي بنظره كانت أول وسيلة لنسيان مشاكله العائلية ومشاكل مجتمعه الفاسد” كما يقول، حتى وصل إلى مرحلة ترك مدرسته بسبب انضمامه لـ”شلة السوء” ويقول: “لم أكتف بذلك النوع من الدخان فوصلت معي إلى أن قبلت بـ”الصاروخ” من صديقي رغم أنني كنت متردداً وجربت “الفراولة” الهيرويين بكل أنواعها الأصلية والمضروبة، وحتى (السيلفيا) من العيار الثقيل، لأصل إلى مرحلة تناول حبوب المخدر وتزوير وصفات لأطباء. وكنت إذا انقطعت من البضاعة أذهب إلى صديقي صاحب الخبرة كي يؤمن لي بضاعة الإدمان. ويضيف: أذكر مرة ذهبت لصيدلية وهددت صاحبها بالقتل إن لم يعطني حبوباً مهدِّئة لأنني كنت “مقطوعاً من الحشيشة”.
يحدّث محمود عن إتقانه اللعبة بنجاح، قائلاً: “دخلت السجن مرات عديدة وصرت مروّجاً للحشيشة داخل السجن، حتى أمنت مبلغاً من المال وأرسلته لأهلي عن طريق شخص يعتبرونه صالحاً كي يدفعوا الغرامة مقابل إخراجي من السجن”.
مصدر سعادة
لم يقف الأمر بمحمود هنا، فيقول: “كنت كلما خرجت من السجن أعود بدافع أكبر للتعاطي، وأعمل المستحيل كي أؤمن ثمن البضاعة التي تعتبر مصدر سعادتي الوحيد، والتي تعطيني القوة والقدرة على مواصلة العمل، فإذا انقطعت عني لا أستطيع حتى مواصلة الوقوف على قدمي. حاول محمود إقناع “حبيبته”
بتدخين الحشيشة معه لكنها رفضت، وتؤكد أنها مراراً منعته من التعاطي لكنه لم يقبل حتى وصل الأمر بها إلى تركه بسبب “الصيت” الذي يلاحقه منذ الصغر.

مجلة شؤون جنوبية 165
ظاهرة قديمة
تجتاح الحشيشة هذه البلدة وهي بلدة جنوبية تعتبر صغيرة بالنسبة لغيرها من البلدات، فبين عدد قليل من الناس يقيمون فيها تسجل قوى الأمن المعنية نحو 200 ملف حول أشخاص يتعاطون المخدرات بحسب المصادر الموثوقة. ومن الملفت أن هذه القرية معروف عنها أنها تتميز بالجو المحافظ، وأنها أسيرة العادات والتقاليد، ويقطنها أحد السياسيين النافذين الذي يمكن فرض سلطته على الناس، إلا أن الواقع الحالي على العكس تماماً، وبات الأمر عادياً بالنسبة لسكانها. وفي هذه القرية أصبحت “شلة الحشاشين” معروفة تماماً والمواد المخدرة تصل “ديليفري” إلى مكان السكن.

اقرأ أيضاً: عن أسباب انتشار المخدرات في صيدا وجوارها والوصمة التي تلاحق المدمن

يؤكد أحد القاطنين في القرية أن ظاهرة “الحشيشة” قديمة جداً وتفشت بشكل واسع أيام الاحتلال الإسرائيلي لها، لكنها موجودة قبل الاحتلال في أغلبية القرى الجنوبية منذ كانت أراضي الدولة الفلسطينية مفتوحة على الأراضي اللبنانية، فكان التجار يتاجرون فيها بين الدولتين، فلم يكن انتشارها مقصوداً من جهة معينة، لكن ترويجها يؤمن أرباحاً طائلة في أيام كان الفقر شائعاً. فكانت مصدر الرزق الأساسي لهم وفي قرية صغيرة كهذه يمكن القول أن البطالة وغياب نشاط رياضي أو ثقافي من الأسباب التي تدفع الشباب لتعاطي المخدرات، وفي بعض الأحيان يكون تدخين “الصاروخ” ناتجاً عن مشاكل نفسية أسبابها الصدمة، مشاكل أسرية… أو انفصال عن الشريك وغيرها.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 165 خريف 2017)

 

السابق
وعد بلفور… مئة عام وفلسطين ضائعة
التالي
روسيا تتوسّط بين اسرائيل وسوريا بعد الغارة الجوية على حمص