عن أسباب انتشار المخدرات في صيدا وجوارها والوصمة التي تلاحق المدمن

تنامت ظاهرة المخدرات في صيدا والجوار اخيراً بشكل ملفت، فقد تخطى عدد متعاطي المخدرات الثلاثماية، حسب احصاءات المجلس الاهلي لمكافحة الإدمان لعام 2016 وهو الذي أنشئ في منتصف سنة 2012 بتعاون من الجمعيات المحلية وبلدية صيدا. فما هو سبب تنامي هذه الظاهرة في صيدا؟ وما هي خفايا عالم الإدمان؟ حاولنا الكشف عن هذه التساؤلات من خلال لقائنا المعالجة النفسية (مريم غنام).

تقول غنام عن علاقة تعاطي المخدرات بالوضع الاقتصادي للمدمن: إن الغني أو الفقير يمكن أن يتعاطى المخدرات، ولكن الفرق أن الفقير غالباً ما يلجأ إلى ترويج هذه المواد لتأمين شرائها، وهذا ما يفسر انتشار المخدرات في المناطق الفقيرة مثل مخيم عين الحلوة وصيدا البلد، بنسبة أعلى من باقي المناطق، فمعظم من يتعاطى يبيع ويتاجر كي يؤمّن حاجته من المخدرات حتى تشكلت شبكة معروفة تقصد من مناطق أخرى لشراء المخدرات.
أما عن أسباب تزايد الادمان على المخدرات في الآونة الأخيرة، فقالت: إن 20% من المتعاطيين الذين يقصدون المركز للعلاج يعانون من تراكم المشاكل النفسية مترافقة مع تردي الأوضاع الحياتية والاقتصادية في ظل الحروب والبطالة واليأس والإحباط مما يدفع الشاب لتعاطي المخدرات ظناً منه أنه يهرب من واقعه وينسى ما يعانيه.

اقرأ أيضاً: مدمنو «الحشيشة» لـ«شؤون جنوبية»: الحشيشة من وسيلة للترفيه الى اسلوب حياة

وأضافت: كما أن الوراثة تلعب دوراً في تجرّؤ الشخص على تناول هذه المواد حيث تتراوح النسبة بين الـ3 – 5% ممن يأتون للعلاج من الإدمان لأسباب وراثية، وممكن أن يجتمع أكثر من سبب مع ضعف الرادع الأخلاقي والقيمي فيؤدي لسلوك هذا الطريق.
ازدياد المتعاطين بأعمار منخفضة
وأشارت المعالجة النفسية إلى انخفاض سن المتعاطين قياساً إلى السنوات الماضية حيث تتراوح أعمارهم بين الـ17 – 30 سنة، وأوضحت قائلة: جاءت حالتان للعلاج لشخصين بعمر الـ14 عاماً وذلك بعد مرور ثلاثة أعوام على بدء تعاطيها مما يؤخر في سرعة الشفاء، وذكرت غنام حالة جاءت بعد خمس سنوات من التعاطي وهي حالة متمثلة بشابّ في العشرين من عمره لم يكمل أكثر من جلستين في المركز لأنه توفي لتدهور حالته الصحية وتأخره في العلاج.
وأشارت إلى أن غالبية من يقصدون المركز هم من الذكور بسبب العادات الاجتماعية التي تتحفظ على الإناث وتعتبر الإدمان علة قادحة في سمعة البنت فيتحاشى البنات المدمنات المجيء إلى المركز خشية الفضيحة، التي باعتقادهن، ستلحق بهن لذلك فإن أعداد المتعاطيات في صيدا ما زالت غير دقيقة.
وأشارت إلى أنه في أغلب الأحيان لا يأتي المدمن للعلاج لوحده، بل يصطحبه أهله بعد تردي حالته الصحية، وأحيانا ً يتم تحويل الحالات من مكتب المكافحة بعد طلب الموقوف للعلاج.
وفي الشق القانوني أكدت غنام أن القانون يتجه إلى تغيير ايجابي لمصلحة المتعاطي، حيث لم يعد التعاطي جرماً يعاقب عليه القانون، بل أصبح جنحة تؤدي إلى إيقاف الشخص عدة أيام بين 10 – 15 يوماً تأديبياً، وبمجرد طلب الموقوف العلاج يخلى سبيله ولو كان موقوفاً منذ ساعة، إلا في حالة واحدة وهي تكرار مرات التوقيف فاذا زادت عن خمس مرات فمن الممكن أن تطول مدة التوقيف لستة اشهر، وفي حال تشابك قضية التعاطي مع الترويج فهناك إجراءات قانونية ثانية تطبق.

مجلة شؤون جنوبية 165
انعكاسات سلبية
أما عن أثر التوقيف على المتعاطي، قالت غنام: إن انعكاساته على نفسية المريض غالبا ً ما تكون سلبية حيث يشعر بالإهانة وسوء المعاملة، فعدم توفر المكان الصحيح لاحتضان مثل هذه الحالات وحجز أصحابها مع مرتكبي الجرائم، تشعر المتعاطي بالنقمة على حياته وعلى السلطة. فهو في هذه المرحلة يعد مريضاً ويحتاج إلى المساعدة لا إلى العقاب.
وقد بدأ فعلياً العمل على إلغاء صفة التعاطي الموجودة على السجل العدلي للمدمن، تسهيلاً لمتابعة حياته المدنية بشكل صحيح.
ولا تزال إحصاءات مركز العلاج تقول أن أكثر من 86% من الذين انتهوا من العلاج ما زالوا عاطلين عن العمل، بسبب الوصمة الاجتماعية التي تطلق على مدمن المخدرات وعدم تقبل المجتمع له مما يؤدي إلى انتكاس حالته وعودته إلى الإدمان ففي السنة الماضية استطاع تسعة مرضى فقط العودة إلى حياتهم الطبيعية من أصل 40 متعالج حسب ما قالت غنام.
وأكملت المعالجة النفسية غنام حديثها عن أكثر المواد المنتشرة في المنطقة وهي الحشيش والترامادول والهيرويين، فقالت: يشكل الترامادول وهو مسكن آلام يوصف بعد العمليات الجراحية من قبل طبيب المرحلة الأولى في طريق الإدمان إذا أخذ بشكل عشوائي، لاحتوائه على مادة المورفين الموجودة بشكل مركز في الهيرويين، فعندما يصل المتعاطي لعدم الاكتفاء من الترامادوول بعد أن يصل لأخذ أكثر من عشر كبسولات في اليوم الواحد ينتقل إلى الهيرويين
سعياً وراء الشعور بالنشوة والسعادة. وبعد ثلاث جرعات من الهيرويين يبدأ الخطر المباشر على حياة المتعاطي.

اقرأ أيضاً: متعاطون سابقون: الدولة تدير التعاطي والاتجار خارج السجون وداخلها

وصم اجتماعي سلبي
وتظهر علامات انسحاب المخدر من جسده بعد عدة ساعات من جرعة التعاطي وهي ما ألفناه من مشاهد في المسلسلات والافلام وتبلغ ذروتها بين ال48 و72 ساعة، وفي غضون 5 إلى 7 أيام تكون هذه الأعراض بدأت بالهدوء والاندثار، مع وجود ضعف ووهن عام، ولكن أعراض الانسحاب النفسية هي الأصعب بعد هذه المرحلة، فالهيرويين كيمياء الدماغ كما يقال عنه.
إن الوصم الاجتماعي للمتعاطي يحول دون شفائه ويجعله أسير ألقاب تطارده في شتى مجالات حياته مما يزيد من انتشار هذه الظاهرة لتجعل المريض حاقداً على من حوله ومستسلماً لحالته.
وتختم غنّام بالقول: إن تفادي انتشار المخدرات مسؤولية جماعية منوطة بكل فرد ومؤسسة، فالتوعية والتثقيف الصحي وزيادة الرقابة من قبل الأهل والدولة عوامل أساسية في الحد من ظاهرة انتشار المخدرات.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 165 خريف 2017)

 

السابق
حضيض الكرامة من الإعتذار إلى عمار
التالي
الاقتصاد اللبناني في عهد الرئيس عون.. إخفاق وعجز ومديونية عالية؟