العباس بن علي (ع) بين الأسطورة والواقع

طويلة هي المسافة التي احتاج الباحث الشيخ على الفرج أن يقطعها وهو يجمع سيرة العباس بن علي، متنقلا بين متون الكتب، ومحطات التاريخ، ليكتشف من خلالها كم قصيرة هي السيرة الموثقة لهذا البطل الأسطوري في بطون الكتب!، أكثر من ٣٠٠ صفحة ، وسبعين مصدرا مرجعا، من أجل الإيفاء بنذره الخاص بكتابة سيرة العباس، والتي ستنتهي إلى ما يشبه نفي السيرة الرائجة عن هذه الشخصية المحورية في حادثة كربلاء!.

ومطلع السيرة كما يقترحها الفرج يبدأ من أم البنين، وإسمها الذي تتباين حوله المرويات، فيما الفرج يرجح تسمية “أم البنين” مستبعدا إسم “فاطمة” وبالتالي نافيا ما يتردد من طلبها للإمام علي بعدم مناداتها بفاطمة احتراما لمشاعر أبناء الزهراء، بعدها ينتقل إلى المرويات المتعلقة بقصة الزواج من أم البنين، بما فيها طلب الإمام علي من أخيه عقيل والرؤية المنامية لأم البنين والتي يرى انتسابها إما لمصادر حديثة، أو رجعوها إلى مجاهيل من الرواة.

ستتكرر ملاحظات الفرج حول حداثة المصادر المعتمدة في رواية الكثير من المرويات الخاصة بأم البنين والعباس، ومثلها الإشارة إلى التداخل بين سيرة وسيرة أخرى بنحو الإزاحة، فأم البنين في قصة زواجها تشبه قصة زوجة النبي صفية بنت حيي بن أخطب، وكذلك في الأبيات المنسوبة لها في ولادة العباس، والتي يقارنها بأبيات شبيهة رويت في ولادة النبي محمد، ومثله الخلط بين العباس بن علي والعباس بن ربيعة في إيراد وقائع حرب صفين، والإبدال في قصة الامتناع عن شرب الماء حيث الوارد هو نافع بن هلال وليس العباس بن علي كما يذهب الفرج في تحقيقه.

الكثير من المرويات التي ذهبت لبناء صورة استثنائية للحظات العباس الأولى ، ودفعت باتجاه رسم دور كربلائي مبكر، لا تصمد كثيرا عند مشرط النقد والتحقيق، هكذا يستنتج الفرج، فهو يضعها في خانة الحديث من المرويات، والضعيف من المصادر والتي تتنسب في الغالب لفضلاء وعلماء وخطباء دفعتهم العاطفة لعدم التحقق بل والمضي للتوسع في الخيال على حساب الواقع.

الألقاب التي لحقت بالعباس كثيرة، غير أن بعضها لا يجد له سندا تاريخيا حقيقيا، وفي مقدمتها لقب “الكفيل” أي كفيل زينب، والتي يرى الباحث بأنها بنيت على روايتين لا يعدو عمرها أكثر من” مئة أو مئة وخمسين سنة”، وهو اللقب الذي سيجري استثماره وتكثيفه ضمن الخطاب العاشورائي.

إقرأ أيضاً: بالصور: الحداد على «الحسين» يلف العالم في اليوم العاشر من شهر محرم

ينوع الفرج في طريقة مقاربته للنصوص التي يتعقبها بكثير من الصبر، فهو يستخدم أدوات الجرح والتعديل التقليدية في مقاربة سند النص، ويحاول تقويم المتن عبر مختبر البلاغة تارة، وعوالم النفس وبناء الشخصيات وما تحتمله الشخصيات بأبعادها الواقعية تارة أخرى،فهو يناقش أسلوب الرواية وطريقة بنائها، دون أن يغفل عالم الكاتب وسيرته، وما ناله من مدح أو ذم، ودون أن يغفل استقامة المروي مع العقل.

كتاب المنتخب الطريحي وكتاب بحار الأنوار هما بمثابة المحطات التي تسللت من خلالها الكثير من المرويات الضعيفة، وهذا ما يجعل الفرج يميل إلى أن الكثير من السيرة المتداولة منشأه القرن العاشر والحادي عشر، حيث تمدد طبقة الخطباء الدينين وانتشارهم، وتصاعد حدة الانفعال العاطفي في التعبير عن هذه المناسبة.

إقرأ أيضاً: ما رمزية كعك العباس في عاشوراء؟

بطولة العباس هي أكثر العناوين صمودا في هذه السيرة التي يعرض لها الفرج، فكربلاء كما يقترح بدأت شرارتها بموقف شمر المحرض على قتال الحسين، وموقف العباس السامي والمحرض لمعسكر الحسين على الثبات، هناك بدأت صورة العباس المحورية في المواجهة، والتي ظهرت في أكثر من موقف، وهو صاحب الراية الكبرى في يوم المعركة.

لا يخلو الكتاب من الاستكشافات لمن هو مهتم بسيرة كربلاء، ومن الجرأة في مقاربة موضوعة تبدو اليوم عنوانا للسجال بين الدعاة لغربلة السيرة، والمدافعين عن صورتها القائمة، الأمر الذي يجعل من مهمة كل باحث محفوفة بالمخاطر، وبالاشتباك مع رغبة الناس في صيانة تصوراتهم وحراستها ضمن عنوان الدفاع عن قضية مقدسة.

 

السابق
مجلس النواب العراقي يصوت على تجريم كل من يرفع علم الكيان إسرائيلي
التالي
بيروت «لا تحب» تل أبيب.. غضب لبناني وسخرية اسرائيلية!