نائب لبناني أعلن أنه قبّل حذاء رئيسه

حازم الأمين

في النصف الثاني من العام 2006 أقدم النائب في البرلمان اللبناني علي عمار على تقبيل حذاء رئيس الحزب الذي ينتمي إليه، وهو «حزب الله»، وفي العام 2009 أقدم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على ترشيح عمار مرة جديدة للمقعد النيابي ذاته. ويمكن الاستنتاج من هذه المعادلة أن ليس لدى السيد نصرالله حساسية تمنعه من ترشيح وانتخاب رجل أقدم على تقبيل حذاء ليكون ممثلاً للبنانيين في برلمانهم. هذا أضعف الإيمان على صعيد الاستنتاج، وأقصاه هو أن الفعلة كانت سبباً لتكرير الترشيح.

والحال إن الأسبوع المنصرم حمل للبنانيين مفارقات قد تكون الأشد دلالة على أوضاعهم بصفتهم جماعات ومشاهد وأدواراً. ولا نعني هنا الشتائم التي كيلت على الهواء لـ «حزب الله» ولأمينه العام، ذاك أن الجميع بالغ في تقييم هذه الأفعال، ودفعت التفسيرات إلى مستويات تنطوي على رغبات أكثر من كونها حقائق. فما جرى ليس مؤشراً إلى ضعف علاقة الحزب بمجتمعه، ذاك أنه من أكثر القوى اللبنانية قدرة على التحكم بمشاعر جماعاته وضبطها وتحريكها. ما جرى ببساطة أن أفراداً هم جزء من بيئة الحزب، شعروا بالضيق بسبب عدم نجدتهم بعد أن أزالت القوى الأمنية مخالفات كانوا يرتزقون منها، فانفعل أفراد منهم أمام الكاميرات، وكالوا شتائم لمن يعتقدون أنه كان من المفترض أن يحميهم من تطبيق القانون. ويبدو أن «حزب الله» لم يفعلها هذه المرة.

إقرأ أيضاً: نديم قطيش معلقاً على اعتذارات حي السلم: نعلك هز الدني

خصوم الحزب ينتظرون مباشرة مجتمعه إبداء الضيق من مهمات يعتقد الخصوم بأنها شاقة، لكنهم يهملون حقيقة أن مجتمعات الحروب الأهلية والمذهبية لطالما لم تتعب من هذه الحروب، وأن ما يقدمه الحزب ليس حروباً فحسب، إنما هو أيضاً نفوذ وتصدر. أكلاف الحروب ممكنة الاحتمال، لا سيما أنها تأتي في سياق شعور الجماعة بأنها تربح.

المذهل بما جرى الأسبوع الفائت تمثّل في مشهد اليوم الثاني. فقد وقف أربعة ممن كالوا الشتائم بعد استدعائهم كاميرا من تلفزيون الجديد، وتلوا أمامها فعل الندامة، وطلبوا من نصرالله أن يسامحهم على فعلتهم. امرأتان ورجلان وقفوا وسط الساحة التي «انتفضوا» فيها واعتذروا. المذهل في المشهد ليس صورتهم واقفين، إنما ما يمكن أن يتخيله المرء خلف هذا المشهد. الوقائع التي جرت في الوقت المستقطع بين المشهدين! ماذا شعر هؤلاء في أعقاب غضبتهم التلفزيونية، وماذا جرى، ومن اتصل بهم حتى اقتادتهم كاميرا «الجديد» إلى ساحة الشتيمة مجدداً. فالمسرح كان معدّاً، ومقدمة خبر الاعتذار وصفت السيد بالرجل ذي الحذاء الذهبي.

المشهد اكتمل إذاً، وصار ممنوعاً أن تُمس الذات السياسية للسيد نصرالله، وفعلة باعة حي السلم وإن لم تكن مندرجة في سياق انتفاضة على الحزب، هي سابقة لا يجب أن تتكرر. هذا يفسر نوع شعور «حزب الله» بنفسه. هو جزء من ذات لا تُمس، وما يصيب الزعماء اللبنانيين يومياً من شتائم في الشارع يجب أن لا يشمل الحزب. لتفعيل ذلك ثمة أدوات وأجهزة ودوائر تفكير. هذا تماماً ما يمكن أن يكون الحزب قد استمدّه من خبراته في سورية وفي العراق. السلطة لا تحتاج مؤمنين بها، إنما تحتاج خائفين منها. السلطة تدرك أن هذا الرجل يشتمها في سره، لكنها تريده أن يعبّر عن ولائه في العلن.

إقرأ أيضاً: «الاعتذار» من حذاء نصرالله!

ما كشفه النائب في البرلمان اللبناني لجهة تقبيله حذاء الأمين العام يأتي في هذا السياق أيضاً. موقع الرجل ممثلاً للبنانيين في البرلمان لن يهتز طالما أنه قال ما قاله. مشهده المتخيّل وهو يقدم على فعلته سيصير عادياً طالما أن التلفزيون، وهو ليس تلفزيون «حزب الله»، أعاد الفعلة وكشف لنا أن حذاء السيد ذهبي.

السابق
لن تنطفئ نيران الحروب بالمنطقة
التالي
عهدُك عهدُ التغييرِ والإصلاحِ يُدعى…