نقاش على ضفاف الضياع السياسي في ظل حكم سعد الحريري (3-3)

أهلُ بيروت مهجـّرون ومدنُ السُنـّة منكوبة والظلمُ يجتاح الشارع.. وحان وقت الحساب!

في كلمته بين يدي أحمد الحريري الأمين العام لتيار المستقبل ، صوّر المفتي الشيخ الدكتور مالك الشعار ، شأنـُه شأنُ أوساط المستقبل ، أن الرئيس سعد الحريري أنقذ لبنان من الحرب التي أوحَوا وكأنها على الأبواب .

والحقيقة أنه لا فضل لا للحريري ولا لغيره في الإستقرار وحماية لبنان من تداعيات المحيط ، لأن هذه المظلة متأتية من قرارٍ دولي يقضي بتحييد لبنان . والبعدُ المحلي في القضية محدود للغاية ، لكن ما فعله الحريري كان تخفيض سقف الممانعة ضد تغوّل “حزب الله” في الحياة السياسية تحت شعار الحفاظ على السلم الأهلي ، والنتيجة كانت رفع درجات الإحتقان والشعور بالمظلومية و”الإحباط” ، وهذا من عوامل الإنفجار الإجتماعي المتدرّج.
وقبل كلّ هذا ، فإن الشعب اللبناني بات واعياً لحقائق كبرى تحول دون إنزلاقه إلى الحروب ، ولا يجب أن ننسى أن الرئيس الحريري الذي يتحدّث المفتي الشعار عن حكمته وحلمه ، لم يتورّع عن إستخدام الخطاب المذهبي في فتراتٍ سابقة ، فهل كان في ذاك الخطاب حكيماً أم متهوّراً؟

إقرأ أيضاً: أحمد الأيوبي: دار الفتوى في طرابلس.. إلزامية الولاء للحريري ورمي «الحرم» على خصومه

• حصر الإرث السياسي

منذ لحظة إستشهاد الرئيس رفيق الحريري إلتفّ اللبنانيون حول نجله سعد الدين ، الذي حصد تعاطفاً غير مسبوق ، خاصة في الوسط السنـّي ، وتمنّى الجميع أن تكون فترة القمع والحرمان وغياب العدالة قد إنتهت إلى غير رجعة.
لكن المشاريع الإنمائية بقيت أحلاماً غير قابلةٍ للتحقيق وضاعت الآمالُ وتبخـّرت مع ترك الحريري الأمرَ بيد حاشيةٍ فاسدة ، بَنَتْ على حسابه القصور وأوردت مشروعه السياسي حوافي القبور!
إنتهى وضع السـُنة الآن في معازلَ محاصرةٍ بين طرابلس وعرسال وصيدا ، وجزرٍ متقطعةِ الأوصال في عكار والبقاع والجبل ، وفي حالةِ شبهِ تهجيرٍ من بيروت ، مع فقدانِ الأفق وغياب الدور وسيادة العجز ، بعد فشل سلسلةٍ من التجارب التي بدأت قـُبَيلَ 7 أيار وخلال ذلك الإنقلاب المشؤوم ، عندما ترَكَ الرئيسُ الحريري مئاتِ الشباب من أبناء عكار وطرابلس والضنية وغيرها ، مكشوفينَ في بيروت ، وهم الذين جاؤوا للدفاع عنه وعن العاصمة ، فخذلهم بعد أن سقطت تجربة الشركة الأمنية بيد الفاسدين من حوله ، فدفع أبناء السنـّة الثمن.

• الإستسلام لتعريف “حزب الله” للإرهاب ونتائجه الكارثية

لم يستطع الرئيس الحريري توفير العدالة والمساواة ولا حماية أبناء طائفته من القمع ، وتنازل في التعاطي مع الملف السوري ، بحيث تحوّل أيُّ مناصرٍ للثورة السورية إلى إرهابي ، ووافق على إعتماد تعريف “حزب الله” للإرهاب ، فسقط مئاتُ الشباب السُنـّة ضحية تراجُعِهِ تاركاً للحزب فـَرْضَ منظومته الإستراتجية على الدولة اللبنانية وعلى مؤسساتها الأمنية ، فوقعت مجزرةٌ حقيقية ، دفع ثمنـَها مئاتُ الشباب ، بل إن الخطةَ الأمنية في طرابلس تحوّلت إلى فخٍ بعد أن عجزت الحكومة عن تطبيقها في أيّ منطقة أخرى.

عجز الرئيسُ الحريري عن الحدّ من شطَطِ المحكمةِ العسكرية والقضاء للكفّ عن التوقيفات العشوائية والمماطلةِ في المحاكمات والظلم في الأحكام ، ومنها الحكم بالإعدام على الشيخ أحمد الأسير بعد تجاهلِ المحكمة المتعمّد لحقيقةِ دور “حزب الله” في معركة عبرا.. وآخرها إنكشاف براءة القاصر سعد الشيخ بعد سجن خمس سنوات!!

لقد فجعت العدالة بنتيجة جولات القتال في طرابلس والتي أسفرت عن بقاء المجرمين القتلة المتهمين بتفجير مسجدي التقوى والسلام أحرار طلقاء ، في حين قبع في السجن مئات الشباب على قاعدة الشبهة والشبهة فقط.

• اللبنانيون أوفوا “ديونهم” تجاه الرئيس الحريري

 

لقد أوفت طرابلسُ وكلُّ لبنان “ديونهم” تجاه شهادة الرئيس رفيق الحريري ، وحصل الرئيس سعد الحريري على دعم غير مسبوق نتيجة إلتفاف الناس حول مظلومية الإستشهاد.

إقرأ أيضاً: أحمد الأيوبي: الساحة السنية متجهة الى التصدع والتغييرات آتية

لكن ، وبعد مضيّ 12 عاماً على تلك الجريمة المروّعة ، وبعد أن حصل الرئيس سعد الحريري على فرصٍ غير محدودة ، كان خلالها مؤيَّداً من الداخل والخارج ، وتوافرت له إمكاناتٌ هائلة ، لكنها لم تكن كافية لتصنع له النجاح والإستمرارية ، فدخل في نفق الفشل الخاص والعام.
واليوم يشعر الجميع أنه حان الوقتُ لإنهاء الولاء غير المشروط ، وآن أوان المحاسبة السياسية على أداءٍ لم يعد للشهيد رفيق الحريري صِلة به ، ولم يعد هناك إمكانيةٌ لمزيد من الفرص بعد أن إنتهت عملية حصر الإرث السياسي في البلد ، وبعد أن سدّد الجميع الفاتورة الثقيلة لمرحلة حكم الرئيس سعد الحريري.

 

*أمين عام التحالف المدني الإسلامي

السابق
الضاحية: المشروع والأوهام
التالي
الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي غيّر مجرى تاريخ الشرق الأوسط