الضاحية: المشروع والأوهام

مفلسٌ إفلاس من ينتظر هزة أرضية لينهار بيت خصمه، مَن يتوهم أن شتيمة قيلت في الضاحية الجنوبية لبيروت بحق الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، قابلة للاستخدام السياسي ولتشكيل علامة على تململ البيئة الحاضنة للحزب.

علاقة «حزب الله» بجمهوره أعمق وأكثر تعقيداً من أن يختصرها كلام قيل في ساعة غضب، سواء تناول شخص نصرالله أو ممارسات بعض مسؤوليه، عن فرضهم عقود زواج المتعة على نساء محتاجات كشرط مسبق لتقديم المساعدة، أو عن الاحتجاج على خرق الحزب عقداً مضمراً بينه وبين الجمهور بتجنيد الشبان الشيعة للقتال في سورية مقابل «توفير الحماية»، التي تعني ضمان حرية انتهاك القوانين وتحييد مؤسسات الدولة، الأمنية خصوصاً، ومنعها من القيام بواجباتها، أي استثناء «شعب المقاومة» من الانتظام العام أمام القوانين المختلفة.

إقرأ أيضاً: صور من الضاحية.. هجوم عنيف على «الجديد»

صحيح أن ما نقلته محطات التلفزة اللبنانية من شكوى في الشارع بعد إزالة مخالفات في منطقة حي السلّم التي تعتبر من أحزمة الفقر في الضاحية الجنوبية، يعكس مزاجاً اعتراضياً على سلوك الحزب، لكن المفارقة أن الغضب وُجّه إلى الحزب بصفته سلطة الأمر الواقع، ولم يوجّه إلى مؤسسات الدولة الغائبة أصلاً عن المشهد برمته.

الجمهور غضب (آنياً وموقتاً) من الحزب لأنه أخلّ بالاتفاق الضمني المذكور. بكلمات ثانية يريد الجمهور «مزيداً» من سلطة الحزب وليس «أقل». يريد المزيد من الحماية مقابل التضحيات في سورية ويريد «إصلاحاً» لسلوك السلطة الحزبية وليس ثورة عليها، ما دامت السلطة التي تمثلها الدولة اللبنانية لا تحضر إلا على شكل جرافات تتسلل تحت جنح العتمة لتزيل مخالفات وتعديات على الأملاك العامة. الدولة هنا هي خفافيش الظلام المختبئة بالليل لتغدر بالناس في حين أن الحزب، وفق هذا المنطق، هو الذي يحتل النهار ويعمل في ضوئه ولا يخاف لومة لائم. إنها خيبة أمل من الجمهور، لا أكثر، على خذلان في محطة صغيرة وتفصيلية من مسيرة الولاء «لخط المقاومة».

إقرأ أيضاً: نديم قطيش: الضاحية تنتفض في وجه نصرالله

وفي السياق ذاته، فإن التساؤلات التي تُسمع أحياناً في جنازات قتلى الحزب العائدين من سورية عن السبب الذي يجعل أبناء الفقراء الشيعة هم من يدفع ثمن الحرب، في حين يختفي أبناء المسؤولين عن ساحات القتال، لا تعبّر إلا عن موقف رافض ممارسة تمييزية محددة من دون أن تصل إلى موقف مندد بالانخراط في الحرب كلاً، ولا بزج الطائفة الشيعية في أتون صراع صيغت مسوغاته (الدفاع عن آل البيت النبوي ثم منع تمدد التكفيريين إلى لبنان) أولاً وآخراً لتخاطب مكان الخوف المشروع على المقدسات وعلى الحياة.

فـ «حزب الله» المنهمك في أكبر عملية هندسة اجتماعية عرفها لبنان منذ تأسيسه، بات -كما هو معروف- صاحب المشروع السياسي الوحيد في هذا البلد، فيما تتلهى بقية القوى بالمياومة السياسية التي يشكل التشاطر في رسم الدوائر الانتخابية وسرقة المال العام وإعداد صفقات تفوح منها روائح الفساد الكريهة، جُلَّ شواغلها.

التنفيس عن غضب عدد من الأفراد، ولو جاء في معقل حزبي، لا يزيد على كونه تنفيساً لغضب عدد من الأفراد سيجد أسياد الأمر الواقع وسائل للالتفاف عليه وتدويره في ما يخدم مشروعهم، أما الأوهام فستبقى أوهاماً.

السابق
عجائبيات «داعش» بين الروس والأميركيين والقوى الإقليمية
التالي
نقاش على ضفاف الضياع السياسي في ظل حكم سعد الحريري (3-3)