«سنكون حيث يجب ان نكون» لزيادة الشروخ وتعميق الجروح

علي الأمين
من لا يهتم بشؤون بيته لن يهتم ببيوت الآخرين، يجد حزب الله ان من واجبه ان يكون في اصقاع الأرض لمقاتلة الارهاب والاستكبار وغيرها من الاوصاف التي تناسلت طيلة السنوات الماضية من التكفيريين والوهابيين والمسلحين والعثمانيين والى اخر المصطلحات قتال لن يتوقف مادام يبحث عن الحرب والقتال باسم الدين حينا وباسم المذهب احيانا وباسم القدس دوما وباسم ايران على طول الطريق في المقابل لا يتورع عن ان يعمل المعول في بنيان لبنان الدولة ومؤسساتها وهيبتها.

“سنكون حيث يجب ان نكون”، شروخ تُشق في جسد الدول العربية، وجروح تُعمِّق الانقسام وتزيد من هذه الشروخ في بنية الاجتماع العربي، تساهم في بناء المتاريس بين مكونات الدول، ولا تفتح اي باب على اعادة الوحدة، فشرط النفوذ ادامة الإنقسامات في البيئة المستهدفة طالما أن مقومات المشاريع المتقاتلة في الاقليم وعلى رأسها المشروع الذي تقوده ايران، يقوم عصبه من اليمن الى العراق الى لبنان وسوريا على عصب مذهبي او أقلوي، والاستثمار في  الخوف من أجل فرض وقائع استراتيجية تقوم على مفهوم الغلبة بالمعنى الفئوي، او التسوية على حساب الهوية الوطنية والدولة الوطنية.
انه سير عكس التاريخ، ولن يستقيم بل هو مسار سيودي الى مزيد من التدمير والى حروب اهلية سواء كانت هذه الحروب بالنار او في النفوس.

اقرأ أيضاً: الرئيس الإيراني يتباهى بالهيمنة على لبنان والرئيس اللبناني مطالب بالردّ

عصب الأقلوية لا ينتج سلاما، لأنه بطبيعته لا يشتد الا في مواجهة الاكثرية، فيما يرتخي -هذا العصب-  أمام كل نفوذ او سيطرة خارجية، وهنا لا بد من التمييز بين الاديان او الطوائف او بين المذاهب من جهة وبين العقلية الاقلوية، ذلك أن التنوع والغنى الطائفي والاثني في المجتمعات العربية يفترض في اي مشروع نهضوي أن ينطلق من ثابتة اساسية تقوم على الانتماء للمجتمع او الشعب او الامة، وقد اسس لها الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين في قوله ” في منطقتنا العربية الإسلامية ـ لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد مسيحية. توجد أكثريتان كبيرتان: إحداهما أكثرية كبيرة هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب. والشيعة طالما كانوا مندمجين ضمن هاتين الأكثريتين، وكل شيء دون ذلك فهو مشروع فتنة، وفخ يُنصب لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم الخاصة، ومخالفة لمصالحهم كعلاب ومسلمين…” وهو ما ينطبق على كل الاقليات.
لذا فالفكر الاقلوي الذي ينقلب على هذه المعادلة عبر الايغال في الذهاب نحو خصوصية لا يمكن أن يستقيم مع الاندماج في الرؤية الحضارية، وبالتالي لا يمكن أت يصب في اغناء مشروع النهوض العربي والاسلامي، وبالدرجة الاولى من الباب الوطني.
الأقلوية هنا في تعبيراتها الميدانية والمجتمعية في حاضرنا العربي اليوم، لا تحمل في مضمونها ما يتجاوز طبيعتها وخصوصيتها، لابل تبدو ذاهبة نحو مزيد من ترسيخ الخصوصية وأدلجتها عبر الولاء الديني السياسي الخاص والمقدس والمنفصل عن احدى الاكثريتين، وعبر الاستتباع الكامل لخصوصية دينية سياسية وليس للأمة في دوائرها الوطنية والعربية او اسلامية، هذا الاستتباع الشامل هو الذي يرسخ موضوعيا شروخا عصبية ومذهبية مع المكونات الأخرى، تلك التي لن تجد ذاتها الموضوعية في مشروع ينتقص من وجودها، سواء كانت هذه الاقلية مذهبية او دينية او اثنية، او ما الى ذلك من هويات. اذ لا يمكن لأي مشروع نهوض عربي ان يميز بينها او يخل باحترام وجودها.
قد يذهب البعض من الغارقين في اقلويتهم الى ادعاء انه يقاتل مشاريع نفوذ دولي واستعماري في منطقتنا، فضلا عن المشروع الصهيوني، نجيب من دون الاكثار في الشرح والتفصيل، ان رفع هذا الشعار لا يعني ان الواقع كذلك، ذلك أن ما يجري على ارض الواقع هو ان المظلة الحاكمة هي خارجية سواء كانت روسية او اميركية، وان المشاريع الاقليمية الفاعلة سواء كانت ايرانية او تركية، تقوم على سياسة تقاسم النفوذ تحت هذه المظلة، فوحدة المنطقة العربية ونهوضها، ليست في الواقع سياسة ايرانية ولا تركية قصارى ما يسعيان له تعزيز الدور الاقليمي لتركيا او ايران وعلى حساب المصالح العربية،لا باتناقض مع الحسابات الاميركية ولا الروسية ولا حتى الاسرائيلية. فمهما كانت اهداف المشروعين اي الايراني والتركي نبيلة، فان الموضوعية تقتضي ملاحظة انهما مشروعان عاجزان عن تكوين اجماع عربي حولهما، بل كانا ولا يزالان وسيلتان من وسائل تعميق الشروخ المذهبية والطائفية في الدول العربية ومتعارضان مع اي مشروع نهوض عربي هو بالضرورة سيحد من دورهما في الفضاء العربي في الحد الأدنى.
لذا يذهب حزب الله مستجيبا لنداء الانقسام والحرب الاهلية في المجتمع العربي الى حيث يجب ان يكون من دون ان يتخفف من رفع رايات الانتصار، لكن في نظام المصالح الوطني، هذه “الانتصارات” تتحقق على ركام الدول العربية ومجتمعاتها وتحت المظلة الاميركية والروسية.

اقرأ أيضاً: تعويذة طي ملف الحرب الأهلية: لكن أين قطع الحساب؟

ومن دون ان نخل باخلاصه وتفانيه في سبيل المرجع السياسي والديني المقدس في ايران، ففي هذا البلد الصغير الذي اسمه لبنان، يعيّرنا حزب الله بأنه حمانا من التكفيريين والارهاب، علما أن ايران  عدو التكفيريين كما تروج، لم تكن يوما هدفا لا لتنظيم داعش ولا لتنظيم القاعدة، لقد رأينا شراسة الارهاب على معظم دول العالم في اوروبا وفي اميركا وفي روسيا وفي معظم الدول العربية، ولكن هذا الارهاب او التكفير، كان عاجزا عن ان ينفذ عملا ارهابيا واحدا في ارض عدوه  ايران،اليس هذا مدعاة تساؤل واستغراب؟
حزب الله يريد ان يكون حيث يجب ان يكون وهو في لبنان حيث يجب ان يكون، موجود في معترك الفساد وافساد الدولة والدستور وفي فرضه لامنطق الدويلة على الدولة، هي معارك يخوضها الحزب ويعجز البسطاء امثالنا معرفة موقعه منها وفي اي محور يقف، مع الناهبين او مع المنهوبين من شعبه؟

السابق
نقاش على ضفاف الضياع السياسي في ظل حكم سعد الحريري (2-3)
التالي
«نداء الدولة والمواطنة»: ما هو موقف رئيس الجمهورية من الاعتداء الصارخ على سيادة الدولة؟