خذوا العبرة من التاريخ الفرنسي

التاريخ الفرنسي
مقاربة بين حكم المقاومة الفرنسيّة والقضاء الفرنسي للعملاء مع الإحتلال الألماني وبين حكم المقاومة والقضاء اللّبناني لعملاء العدو الصّهيوني المحتل الغاصب.

في كل حقائب تاريخه القريب ونشأته كجمهورية، كان للبنان حصّته الوافرة من “أبنائه وفلذات كبده” العملاء للإحتلال، من “الزّمن” التركي العثماني، مروراً بالإحتلال الفرنسي الذي ما زالت كتب التاريخ المدرسية في لبنان تدرّسه كمرحلة الوصاية بـ”الإنتداب”- Protectorat الذي بنى لبنان وركائزه (ومربّحنا جميلتو) الى الإستقلال “العتيد” الذي انجزته ” أمّنا الحنون” مع عملائها، بنظام طائفي رجعيّ بشعٍ، مزوّرة الواقع الديمغرافي آنذاك بإحصاء عام 1936 -وهو ما زال الإحصاء الرّسمي الوحيد الذي يزيّن أوراق إخراج القيد في دوائر النُّفُوس-.
وللفكاهة، ككل لبناني تصل الى فرنسا، وتتقدّم بطلب الحصول على الإقامة أو الجنسيّة.. يجادلك موظّفو الإدارة من أسفل الهرم الى أعلاه، بحلّ التناقض المُلتبس بين تاريخ ولادتك وتاريخ الإحصاء، والدِّين والمذهب..بتعجّب واستغراب لهذه الأوراق الثّبوتية! وأقنعهم إن استطعت انه إحصاء “استعماركم” الكريم.
.. الى كل ما تحمّله لبنان وشعبه من اعتداءات منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين.. الى إجتياح عام1982 للبنان وبيروت ثاني عاصمة عربيّة.. والعملاء ينغلون نَغْلاً ضد المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة ممهدين للإعتداءات المتكرّرة والمجازر الذي ارتكبها هذا العدو بحق شعبينا اللبناني والفلسطيني وإحتلاله لأرض الجنوب وإنشائه جيش العملاء ما قبل وما بعد “الجِدارٍ الطيّبٍ”..
يتغنّى العملاء بإجادتهم لغة أسيادهم ومحتلّيهم، هكذا تفانوا بعمالتهم و ذلّهم وتكبّرهم حدوداً تمتلك علكهم للكلمات والعبارات الفرنسية المُكَسَّرَة والإنكليزيّة المموّهة والعبرية المُجرجرة.. لإخفاء عقدة الإستغراب المقيتة التي ترافقهم بـ”الوراثة” منذ عشرات السّنين..

اقرأ أيضاً: فرنسا ما أنجسها وما أطهرنا؟!

عندما انسحب جيش العدوّ بانكسار قياداته و آليته وانهزام جأش كيانه من الجنوب اللبناني مذلولاً بضربات المقاومة الوطنية اللبنانية الشّعبيّة بكلّ حركاتها وفصائلها و عقائدها.. هرع كثير من عملائه للّحاق به واللّجوء اليه عام 2000، وكُثُرٌ وقعوا بأيدي المقاومة وأبناء البلدات والقرى التي عانت الأمرّين منهم ومن مشغليهم الصهاينة.
كان حُكم المقاومة والشّعب حُكماً رائداً وعصريّا، بالرغم من مشاعر الثّأر الكامنة في قلوبنا وقلوب المعتقلين وعائلات الشُّهَدَاء.
جاء الحُكم أكثرَ عدلاً وإنصافاً للتاريخ وبناء الوطن الحر السيّد وتوخيّاً لمناخات وردود فعلٍ مذهبيَّة وميليشياوية خصوصاً في ظرف المضي الى مستقبلِ بلدٍ ما زال ينهض منهكاً من حربه الأهليّة، ذلك بتسليم هؤلاء العملاء الخونة للقضاء اللبناني وسلطات الدولة.
لم تُنشأ محكمة ميدانية لإعدامهم أذلّاء امام أعين الناس الشرفاء كما حدث ويحدث في أي بلدٍ محرّر.
ويمضي جميع السّياسيّين في طبقةٍ مُفلِسة بعدما صاروا “أغنياء حرب” في أكذوبة “بناء الدّولة” دولة “القانون والحريات والديمقراطية وحقوق المواطن و و و”..
وتمضي المقاومة قُدُماً، فتسحق جيش العدوّ ” الأسطوري” وكيانه المدعوم دولياً وللأسف – عربيًّا (مع التحفُّظ) – في صيف 2006 كاسرة “حُلم التوسع والاستيطان” لكيانٍ ” أوهن من بيت العنكبوت”.
وتُفكك -ومازالت- عصابات العملاء، بعملٍ دؤوب وواعٍ، قوى أمن الدّولة والجيش والمقاومة..وتحال الى القضاء.
في هذا الجوّ السّياسيّ المنحط و هذه الطُغمة المُدمنة على الفساد وانتهاك حقوق وأعراض المواطنين وحياتهم التي لا قيمة لها في ظل السلاح الفردي المدوزن ميليشيوياً وعمليات القتل المجانية السائدة خير مثالٍ.. ناهيك عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي لا توعد إِلَّا بانحطاط ربما يؤدي الى عواقب وخيمة.. في هذا المناخ اللبنانيّ المُلوّث، يصبح المرء مريضاً عقليّا لما يراه من ترهات و أحكام ومواقف وتناقضات.. في جدليّة “الكيان” اللبناني الذي ” قوته في ضعفه” وفي إبداعاته المستحيلة من ” شو في ما في؟” إلى ” طبّ الجرّة عا تمّها”..الى الميجانا والروزانا التي تطرّق اليها زياد رحباني الفيلسوف الاجتماعي وعالم النَّفْس اللبناني بامتياز.
وكيف لا؟ يحاكم المقاوم بالإعدام والعميل يرفع الى السماء “شهيداً للوطن”..
أهلاً.. أهلاً!
كلبناني عربي، ومقيم في فرنسا ” أمّنا الحنون” وحامل جنسيتها منذ عقدين ونيّف وشغِف بتاريخها ومآثر ثورتها وتعاليمها الإنسانية وقارئ لحقباتها الصعبة والمتشعّبة من نشأتها كجمهورية علمانية مروراً بالحروب التي خاصتها او عانت منها ومُلِمّ باستعمارها وعقليتها الإستعمارية الحاضرة -برائحتها الكريهة وعفنِها – كما أعتقد.. ومتابع لواقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وقوتها ومكانتها في العالم وقوّة القانون فيها ومدى تطبيق مفهوم العلمانية وحرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان.. كي أعي دوري كمواطن يعيش في دورتها الاقتصادية لأحدّد مكاني وتطلعاتي وتعايشي وانتمائي كعربيّ فرنسي؛
رأيت من الطبيعي والضروري ان افتح الباب على مرحلة الاحتلال الألماني النّازي التاريخية والليست ببعيدة، والمؤسسةً لفرنسا اليوم وان أُمعِن في مقاربة هذه الحقبة مع واقعنا اللبناني المحتدم في قضية العمالة للعدو ومقاومته.

Le cinquantenaire de la fin de la Seconde Guerre mondiale, au milieu des années 1990, fut l’occasion de nombreuses études permettant d’éclairer d’une lumière nouvelle cette période extraordinaire, au sens propre du terme, qu’est la Libération. Ce fut également le moment de synthétiser l’ensemble des travaux concernant la période. Ainsi, l’épuration extrajudiciaire entraîna la mort de 10 000 personnes, la tonte de 20 000 « horizontales ». L’épuration légale concerna plus de 300 000 dossiers, dont 127 000 entraînent des jugements, ce qui donne 97 000 condamnés. Les peines allant de 5 ans de dégradation nationale à la peine de mort.

كما يعرّف النّص أعلاه المنقول عن وثائق رسمية فرنسية – متحف المقاومة الفرنسية في مدينة شامبيني سُور مارن (Champigny-sur-Marne)، فترة ما بعد الإحتلال الألماني بالتّحرير (Libération). في هذه الفترة بالضبط، تبنّت لجان المقاومة الفرنسيّة عمليات تصفية العملاء الفرنسيين ميدانيّاً – أي خارج محاكم الدّولة- مايؤكّده تعبير (extrajudicaire).
عمليات التصفية او الإعدام هذه بحق العملاء
‏- les collaborateurs والذي يطلق عليهم بالمحكية les collabos-
نُفِّذت بعشرة آلاف عميل و موت عشرين ألفاً آخرين شنقاً.
اما عمليات التنقية الشّرعيّة القانونية (épuration judiciaire) كانت تخصّ 300 ألف ملف، أدت الى 127 ألف ملف للمحاكمة و97 ألف إدانة.
والأحكام كانت تمتدّ من خمس سنوات سجن الى حكم الإعدام.
هذا هو فحوى هذا النص التاريخي.

كيف يتعامل القضاء اللبناني الذي يعتمد على قوانين قضاء ” أمّنا الحنون” وكثير من القوانين التي تُرجمت أغلبيتها حرفيّاً، ومنها الكثير من النّصوص “البالية” والتي طوّرها القانون الفرنسي مرّات عديدة وهي في عدالتنا على حالها منذ ثلاثينات القرن الماضي..
كيف يتعامل هذا القضاء على مرأى الطبقة السياسية البالية والمنحطّة (وكأنّه على شاكلتها) بإصدار حكم الإعدام للمقاوم وتبرئة العميل المتباهي بعمالته وصهيونيته وفاشيّته؟
عودوا يا أصحاب ” الفرنسيّة المُلتوية ” – أعني اللغة – والمعلوكة بأفواه فُكَّ حنكها.. الى شيء من فرنسَتكم التي تفتخرون وتظنّون انها من شهاداتكم العالية لكنها مزوّرة بزيفكم وطغيانكم؟
تعلّموا بعض ممّا وصلت اليه فرنسا..
إِلَّا أَنَّكُم جبناء تتأبطون دوركم المتخلّف مأمورين بمصالح فرنسا الخبيثة!
خذوا ولو عبرة واحدة من عبر التاريخ الفرنسي إن كان في ثورتها منذ قرنين او فترة احتلالها من الألمان!
وإن لم تلحظوا.. فمزبلة التاريخ ستفتح بابها واسعا لتقبركم الى السعادة الأبدية.

 

السابق
كلام «قاسم» يعيد بشير الجميل للحياة ويشعل سجالا حادا بين حزب الله والقوات اللبنانية
التالي
الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن لبنان على شفير حرب مع إسرائيل