المحكمة العسكرية في لبنان: هيكلية قديمة عارضتها «حقوق الإنسان»

عن المحاكم العسكرية واحتجاج "حقوق الانسان" عليها، واستمرار لبنان بضرب شرعة التقاضي الدولية عرض الحائط!

أعيد مؤخرا فتح ملف المحكمة العسكرية في لبنان، بعد إغلاقها ملف عبرا بحكمها بالإعدام على المتهم أحمد الأسير و8 آخرين بتهمة شن هجمات استهدفت الجيش اللبناني، إذ جرت مقارنة بين الحكم على الأسير مقابل تعاطي هذه المحكمة مع قضية الوزير السابق ميشال سماحة المتهم بنقل متفجرات من مكتب رئيس الأمن الوطني السوري في دمشق، اللواء علي مملوك، إلى لبنان بسيارته بهدف تنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات لسياسيين ورجال دي بالحكم عليه بأربع سنوات ونصف وبعد الضغط عادت ورفعت الحكم الى ثلاثة عشرة سنة، هذا عدا عن الحكم على العميد المتقاعد فايز كرم في جرم الإتصال والتعامل مع العدو الإسرائيلي باربع سنوات فقط، بشكل يتناقض مع ما ينصّ عليه الدستور اللبناني بتكريس مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القانون في الحقوق والواجبات، ومبدأ فصل السلطات سيما استقلال القضاء.

اقرأ أيضاً: النائب مروان فارس لحلفاء «القومي»: لولا حبيب الشرتوني ما كان لكم وجود!

قضائيا ينتهك لبنان المبادئ الدولية للمقاضاة، واحترام معايير العدالة الدوليّة بحكم الصلاحيات التي أضيفت إلى المحكمة العسكريّة على مدى عقود، لإمكان الخوض في قضايا لا ينطبق عليها الطابع العسكري. سيما أنها أصدرت 6800 حكم عام 2012، ما يطرح إشكاليّة مراعاتها لمعايير حقوق الإنسان، لكون رئيسها هو ضابط وليس قاضياً، ويعيّن فيها ضباط غير مجازين في الحقوق أو مكلفين بمهمات قضائيّة.

وفي حديث مع المحامي والخبير الدستوري أنطوان سعد لـ “جنوبية” اعطى لمحة عن أداء المحكمة العسكرية، وعن نشأتها فقال “أنشأت المحاكم العسكرية لمعاقبة العسكر الذين ينتدبون لإحتلال دول أخرى كما في المغرب العربي ولا تزال حتى يومنا هذا وإستمرت مع مرحلة الحرب العالمية الأولى والثانية وقد أنشأت لمقاضاة العسكر خارج حدود الدولة، حتى أنه في حال عاد هؤلاء العسكر إلى بلدانهم كان بإمكانهم الطعن بقرارات هذه المحاكم”. وتابع “اما في لبنان فبقيت هذه المحكمة منذ الإنتداب الفرنسي، في حين أنها تخالف شرعة التقاضي الدولية التي لا تجيز للمدني أن يتحاكم أمام المحكمة العسكرية ولا يوجد فيها قضاة متخصصين في الحقوق”.

انطوان سعد

ويضيف سعد أن “المدعي العام فيها هو قاضٍ من جهاز الملاك القضاة بوزارة العدل والقضاء العدلي وهو قاضٍ متخصص وعندما يدعي يحيل اما المحكمة العسكرية الدائمة ولكن لا يوجود سوى قاضٍ عدلي واحد ذو إختصاص في الحقوق من أصل 5 قضاة “.

وأشار أن قرارات هذه المحكمة “فيها خلفية سياسية أو خلفية تهم القيادة العسكرية تأخذ توجهاتها بهذا الصدد من مديرية المخابرات. وأيضا فيما يتعلّق بالتمييز فشروطها صعبة جدا ولا وجود سوى رئيس المحكمة قاض أما البقية فهم ضباط وفي حال تم معارضة هؤلاء الضباط للقاضي هو أمر فيه إحراج كبير لرئيس المحكمة لأنهم يحكمون بذلك عكس ما يقرره رئيس المحكمة وهم غير متخصصين ولا يدركون أصول الحاكمة”.

كما لفت سعد أن “لا وجود لمساواة بين المتقاضين لجهة محاكمة أفراد امام المحكمة العسكرية واخرين امام المحكمة العدلية، ولا بل حتى لم يعدّ جائزا محاكمة العسكريين فيها، لأنها يجب أن تبقى لمعاقبة العسكر تأديبيا”.

اقرأ أيضاً: خذوا العبرة من التاريخ الفرنسي

وأكد أن “كل بنية المحكمة العسكرية وادائها وإجراءاتها تخالف أبسط قواعد الشرعة الدولية للتقاضي الذي يشغل لبنان العضوية فيه”. مشيرا إلى أنه العناصر الموجودين داخل المحكمة العسكرية يرهبون المتقاضي حتى انهم يمارسون اعمال الترهيب على المحامي في حال تكلّم عن العسكر ويأخذون بحقه تدابير، وبالتالي فإن العسكر غير ملمين بأصول ولياقات عمل العدليات وكيفية التوجه للقاضي، ومعاملة المحامي بلغة الإحترام والأصول وليس بالزجر والقمع والترهيب وهذه الأمور لا تزال مستمرة في عمل المحكمة العسكرية”.

وخلص سعد بالإشارة إلى أن “لبنان في التصنيف السنوي الصادر عن منظمة العفو الدولية أو الأمم المتحدة متأخرا بشكل كبير ويخالف حقوق الإنسان. مؤكدا على ضرورة “إلغاء المحكمة العسكرية وحتى المجلس العدلي والتأسيس كبديل عنها محاكم إستئناف متخصصة على درجات”.

يذكر أنه، بتاريخ ٧ نيسان ١٩٩٧، أصدرت “لجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة في دورتها ال٥٩ المنعقدة في نيويورك تقريرا بعنوان “ملاحظات ختامية” ورد فيه فقرة كاملة (رقم ١٣) تتعلق بالقضاء العسكري اللبناني، في ما يلي نصها:
“تبدي اللجنة قلقا حيال الصلاحية الواسعة التي تتمتع بها المحكمة العسكرية في لبنان، خاصة وأنها تتجاوز حدود المسائل التأديبية لتطال المدنيين. وهي أيضا قلقة بشأن الأصول التي تتبعها تلك المحكمة وبشأن عدم وجود رقابة المحاكم العادية على أعمالها وأحكامها.

وتابعت اللجنة انه”ينبغي على الدولة المتعاقدة [أي لبنان] أن تعيد النظر في صلاحية المحكمة العسكرية وتنقلها الى المحاكم المدنية في جميع المحاكمات التي تتعلق بالمدنيين أو بحالات انتهاك حقوق الانسان التي يقترفها العسكريون”.

السابق
في مدرسة المقاصد «لالا»: مظلومية تلحق بأربعة معلمين
التالي
نقاش على ضفاف الضياع السياسي في ظل حكم سعد الحريري (1-3)