زلّة لسان ستريدا ذكّرتنا بحزب الله… الماروني

استعراض منطق الغلبة القبلي والعائلي سبب اساس في اثارة التشنج!

ليست زلة لسان لأننا في مجتمعات لازالت تهاب القويّ، ولو كان متعديا أو سارقا، بل حتى قاتلا. المهابة تأتي للاشخاص والافراد، وبالاولى لما يُسمى الزعماء والقادة، من السلاح أيّ من القوة، ولو كانت غاشمة، من قدرته على ايذاء الآخرين، لا بل إيذاء مناصريه قبل خصومه أو اعدائه.

إقرأ أيضا: ستريدا جعجع تدفع ثمن زلة لسانها ضد «الزغرتاوية»!

مردّ الزلة هنا ليس ما قالته بعفوية السيدة ستريدا جعجع، عن سبب قبول والدها باقترانها من ابن بلدتها سمير جعجع. فالقبول يحتاج هنا، لا سيما لزواج فتاة من آل طوق، أيّ العائلة المتقدمة في العرف القبليّ والاجتماعيّ على عائلة طالب اليد سمير جعجع، الى سبب استثنائي في عرف المجتمعات الريفية والعائلية، ولا يكون سبب القبول هنا انّ ابن عائلة جعجع صار قائدا لتنظيم عسكري وسياسي كبير، بل يحتاج قبول الأب الى مبرر محليّ ليخرق قواعد وشروط المقام الاجتماعي وصفاء العائلة المتقدمة والمستندة الى إرث يعود الى عقود، وربما الى قرون، إرث يرسم مسار الفرد في حياته التي يجب ألا تخرج عن قواعد وشروط نظام العلاقات الاسرية والمصاهرة.

كان الأب بحاجة الى مبرر بشراويّ للقبول بجعجع صهرا له، وهذا السبب هو أن جعجع، بقدرته على كسر شوكة جيران بشريّ من الزغرتاويين، كما قالت السيدة ستريدا، لم يعد بحاجة الى ان تطبق عليه مقاييس المصاهرة والتزاوج في عرف العائلات ومراتبها.

زلة اللسان ليست في حقيقة ما قيل، بل في اظهار هذه الحقيقة على لسان السيدة جعجع وامام جمهور من المغتربين اللبنانيين في استراليا.

أهمية ما زل به لسان السيدة طوق جعجع، ليس في كون مضمونه يفضح الاستثناء في مسار بناء الزعامات السياسية والدينية في لبنان، فالغلبة والسطوة هي المفهوم المتبع والغالب في تسيّد طامح ما، ليكون الآمر الناهي في محيطه.

ذلك أنّ السياسة في بلادنا لا تقوم على قواعد التنافس الديمقراطي او التزاحم والصراع بين البرامج السياسية والاجتماعية، بل على ترسيخ العصب وشدّه قبليّا وطائفيّا او مناطقيّا، بحيث ان ما يبدو تغييرا من خلال الانتقال من نظام الاقطاع العائلي والسياسي الى نموذج الحزب، ليس الا تغييرا في الشكل، فيما يستمر في الجوهر نظام العصبية والغلبة هو المتحكم والمسيطر والمحدد للخيارات السياسية والاجتماعية.

بالنظام االاجتماعي والعائلي الحاكم في زغرتا، لا يُعتبر قول السيدة جعجع زلة لسان، أيّ ان الاعتراض الذي عبّر عنه تيار المردة اتجاه ما قالته السيدة جعجع، لا يتأتّى من نظام قيم مناقض، بل يتأتى بالدرجة الاولى من رفض لفكرة ان غلبة قد طالت الزغرتاويين يوما ما من اعالي بشريّ، ذلك أن الجريمة المتهم بها ابن بشريّ سمير جعجع، اي قتل النائب والوزير طوني فرنجية قبل نحو اربعة عقود، ليست في ذهن المنظومة العشائرية او العائلية في زغرتا أن جعجع ارتكب جريمة قتل، بل المشكلة في من طاله القتل. فليس مفاجئا أن نشير الى ان تقدم زعامة الرئيس سليمان فرنجية كانت احدى اركانها ايضا مجزرة اتهم بارتكابها في بلدة مزيارة، فهنا المسألة ليست النقاش في القيمة الاخلاقية، فالغلبة هي الاساس… اما الطريق إليها فيحسن ان يكون معمّدا بالدم الذي لا يمكن ان تستقيم الزعامة من دونها.

إقرأ أيضا: بالفيديو.. زلّة لسان أعجبت الشعب اللبناني: طاولة من هي«الحوار» أم «الحمار»؟

وعلى هذا المنوال يمكن ملاحظة أن شلال الدم هو سبيل لا مفر منه لاعتلاء سدة القيادة والزعامة لا سيما في البيئات غير المدينية اللبنانية، ولا فرق هنا في الانتماء الديني او المذهبي، في زعامة وليد جنبلاط ونبيه بري وحسن نصرالله مع اختلاف في الشكل بين زعامة واخرى. لكنّ عنوان الغلبة والبطش وحماية الجماعة، قبيلة كانت او عائلة او طائفة، هو المنهج المتبع. وطالما ان معايير العقد الاجتماعي، كما اقترحته الدولة الحديثة، لم تترسخ في حياتنا السياسية، ثمة دماء كثيرة سوف تجري ورقص مديد حولها حتى يستقيم عود الدولة والمواطنة.

السابق
توقيف «عصابة سلب» بحجّة «الدعارة» في عرمون
التالي
نديم قطيش مديرا تنفيذيا في تلفزيون المستقبل