جلسة الموازنة: إنتقادات للسلطة.. والحريري يدافع

لعلّ الإنجاز الوحيد الذي ستخرج به جلسة مناقشة وإقرار "الموازنة المصروفة"، أنّ مداخلات النواب، سواء المنتمون إلى الكتل الممثّلة في الحكومة أو مَن هم خارجَها، شكّلت إضبارات اتّهامية للسلطة الحاكمة على كلّ المستويات.

على رغم نقل وقائعها مباشرة عبر شاشات التلفزة، سجلت الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة اللبنانية لعام 2017، في يومها الثاني أمس، غياباً نيابياً ووزارياً لافتاًباستثناء رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري فإن عدد النواب في كثير من الأوقات لم يتجاوز عدد أصابع اليدين، والوزراء عدد أصابع اليد الواحدة، ما دفع رئيس البرلمان إلى انتقاد هذا المشهد مراراً.

انسحبت مداخلات النواب في الجولة الثالثة أمس على ما سبقها، سياسياً ومطالب مناطقية، مع اقتراب الانتخابات النيابية، ما خلا تسليط بعضهم الضوء على الأرقام في الموازنة، واقتطاع قطع الحساب منها، والإصلاحات، وكثير من الملاحظات، طاولت مكامن الهدر والفساد، والتسويات والحصص، ما حدا بالنائب اسطفان الدويهي إلى وصف المداولات النيابية بـ “المسرحية والمشهد السوريالي وكأن قدر لبنان أن يكون ضحية مصالح قوى”. واعتبار رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل أن “ما يحصل صورة مصغرة للنهج السياسي القائم في البلد”.

إقرأ ايضًا: مناقشة مشروع الموازنة يبدأ اليوم: وضرائب جديدة ستفرض على المواطنين

وقد إنتهت الجلسة، ليل أمس بالتصويت على تعليق قطع الحساب لسنة بـ 57 صوتا بعد جدل قانوني ودستوري ودفاع حكومي تولاه الرئيس سعد الحريري الذي رد على النواب على النواب معدداً الانجازات التي تحققت في مدة قياسية، متهما عدداً من هؤلاء بالتصدي للحكومة من دون تقديم حلول بديلة، بعد مداخلات ركزت على محاربة الفساد لتقليل العجز في المالية العامة، في ما يظهر العجز الرسمي عن التصدي لهذا الداء المستشري. وقالت “الجمهورية “ان الكلمات تعدد صفقات وعقوداً مشبوهة وهدراً للمال العام من غير ان يرف جفن أحد، كأن الواجب يقضي برفع الصوت والنبرة لغايات اعلامية تنتهي فور اطفاء اضواء الكاميرات. واثر جدل رفعت الجلسة الى قبل ظهر اليوم بعد اصرار عدد من النواب على التصويت على الموازنة بنداً بنداً.

فقد سأل الجميل بحسب “الحياة”  “ماذا نقدم للبنانيين اليوم، نقدم لهم مجلس نواب ممدداً له مرتين ونناقش موازنة سنة انتهت وصرفت أموالها”. ورأى أن “هناك هدفين من الموازنة أولاً السماح بجباية الضرائب كما أقرها المجلس الدستوري وهو التفاف على قراره، وثانياً تسجيل انتصار وهمي بإنجاز الموازنة”، مشيراً إلى أن “هناك عدم احترام للنصوص الدستورية والقانونية إذ لا يمكن للمجلس أن يقر الموازنة من دون قطع الحساب”، مؤكداً أن “هذه الموازنة تجسد غياب الرؤية والتخطيط وتكرس جزءاً من نهج السلطة الحاكمة اي نهج الحكومة الرديفة”. وأوضح أن “مخالفة الدستور ليست جديدة على النهج القائم اليوم، فعندما قرروا أن الانتخابات الفرعية “مش محرزة” أصبح تطبيق الدستور وجهة نظر، وما زلنا نرى تلزيمات وصفقات بالتراضي بأسعار هائلة، على رغم أن القانون يجبر الحكومة على إجراء مناقصات في دائرة المناقصات”.

 

وقد أعقبَ المناقشات النيابية، بحسب ما أوردت “الجمهورية”  ردٌّ من قبَل وزير المال علي حسن خليل، الذي قدّم عرضاً شاملاً للواقع المالي للدولة، أكّد فيه “أنّنا أمام واقعٍ صعب جداً، مشيراً إلى وجود خللٍ دستوري في غياب قطعِ حساب الموازنة، إلّا أنّ الخَلل الأكبر هو عدم إقرار الموازنة، وقال: نحن على مفترق طرق، وقد نواجه تحدّيات كبيرة في السنوات المقبلة، وإمّا أن نصل إلى سيناريوهات قاتلة أو يفتح لنا باب النجاح والنهوض الاقتصادي”.

والردّ البارز كان من رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي فنَّد مداخلات النواب، منتقداً المزايدات التي أورَدها بعض النواب، وقال: الناس شبعَت تنظيراً، وأفهم أنّ جلسات مناقشة مشروع الموازنة مناسبة، خصوصاً في سنة انتخابية، لإطلاق مواقف، لكنّ بعضها ضاع بين الموازنة العامة والمزايدة العامّة”.
إقرأ ايضًا: الموازنة: ترحيب بإقرارها وتخوّف من عشوائية ضرائبها
وقد تبعت كلمة الحريري حالةُ هرجٍ ومرج، دفعَت رئيس المجلس نبيه برّي الى وقفِ النقلِ المباشر للجلسة، حيث طلبَ النائب سامي الجميّل سحبَ مشروع الموازنة لمخالفته الدستور، والتصويت على موازنة العام 2018، وأعقبَ ذلك نقاش اتّسَم ببعض الحدّة بين بعض النواب، وكذلك جرَت مساجلات حول موضوع حاكم مصرف لبنان، الذي أثاره النائب جورج عدوان في جلسة الثلثاء.

خلاصة مداخلات الموازنة أنّ النوّاب جلدوا الحكومة، وأعطت مداخلاتهم شهادةً صريحة على دولة مفقودة، وكأنّها خرجت ولم تعُد بعد إلى حيث يفترض أن تكون دولة كاملة المواصفات يَشعر فيها المواطن بأنّه في دولته التي تُظلله برعايتها وتَحميه. وأكّدت بما لا يقبل أدنى شكّ بُطلانَ كلّ الشعارات التي تَبارى أهلُ السلطة على إطلاقها، ووعودهم الوردية للناس بدولة نظيفة يَحكمها القانون والدستور والعدالة والمساواة، وبالنوم على حرير إنجازات تجعل المواطن يأمن إلى غدِه، فإذا به ينام على مخدّةٍ من شوك محشوّةٍ بسلّة ضرائبية تُطيّر النومَ مِن عينِه، ومالَه مِن جيبِه.

السابق
الخارجية الكازاخية: الجولة السابعة من مفاوضات أستانا
التالي
ما هو التعديل الوزاري الجديد الذي سيعلن عنه الإمارات؟