«الإرهاب كما نشرحه لأولادنا» كتاب للطاهر بن جلّون

كتاب الارهاب
عن "دار الساقي" في بيروت، صدر للكاتب والرّوائي المغربي الطاهر بن جلّون (حائز "جائزة دبلن للآداب" 2004). كتاب جديد يحمل عنوان: "الإرهاب كما نشرحه لأولادنا" بترجمة عربية أنجزها جان هاشم (وفي طبعة أولى 2017). ويتميز هذا الكتاب بمضمونه الحواريّ: يفجّرون أنفسهم ومن حولهم بإسم الدين. يلجؤون إلى العنف والقتل لإيجاد معنى لحياتهم ولموتهم من هم هؤلاء الشباب؟

يحاول الطاهر بن جلون، في حوار عميق وحقيقي مع ابنته، أن يجيب عن أسئلة كثيرة تتبادر إلى ذهننا عند حدوث أي عمل إرهابي. ويستعرض تاريخ كلمة “إرهاب” منذ الأحداث الأكثر دموية في الثورة الفرنسية وصولاً إلى ما يشهده الوضع الحالي من انفلات الأصولية الإسلامية من عقالها.

وأمام قلق ابنته التي تطالبه ببريق أمل بسيط، يؤكد بن جلون أن الرهان هو على التربية، وذلك على أمل المساهمة في نشأة جيل من الشباب متحرّر من الأوهام التي تجعله يصدّق أي شيء.

اقرأ أيضاً: كتاب «دمُ الأخوين» لفوّاز طرابلسي: عندما يُصبح قتلُ الأَخِ واجباً دينياً!

فماذا نقول لأولادنا عن الإرهاب؟ جواب هذا السؤال متبلور في مقدمة الكتاب التي جاءت على الشكل التالي:
ماذا نقول لأولادنا عن الإرهاب؟ نقول لهم الحقيقة. وخصوصاً علينا ألاّ نستخف بقدرتهم على سماع م يزعج، وعلى مواجهة الرعب. ليس أنهم أقوى من البالغين أو أكثر حصانة منهم، إلا أن عندهم من الإدراك ما يؤهّلهم لذلك، وبالإمكان التعامل مع هذا الإدراك، من دون أن نخشى انعكاسات كارثية على نموّهم، لكن بشرط واحد وهو أن نُحسن اختيار الكلمات واللحظة المناسبة والطريقة الملائمة. وبالعكس، فإن الكذب والإنكار قد يرتكان مضاعفات ويتسبّبان هلم بعُقد نفسية، إذ لا يمكن خداعهم، لأن المعلومة تصلهم أحياناً عبر قنوات يجهلهم البالغون. ومن شأن تزيين العالم لهم، ونفي خطورة الوقائع، إما بإنكارها وإما بتبطينها أو تغليفها، أن يعزلهم فعلاً عن الحياة الواقعية، بما فيها من جمال وعنف على حدّ سواء.

وسيكتشفون في نهاية المطاف أنهم مخدوعون، ومطالبون بأن يطّلعوا على حقيقة ما جرى. إن حكايات شارل بيرّو Charles Perrault زاخرة بالفظائع، وقصص ألف ليلة وليلة أكثر هولاً، وهذا على الأرجح ما جعلها محبوبة، وما صنع عالميّتها ومعاصرتها الثابتتتين على مرّ التاريخ. وهي في جوهرها تتناول مسألة الصراع بين الخير والشرّ، التي يعيها الأولاد جيداً ويُلمّون على الأرجح بكل تعقيداتها.

كتاب الارهاب كما نشرحه لأولادنا

واليوم مهما تكن الاحتياطات التي يتخذها الأهل، فهي لا تُبعد الأولاد كلياً عن مشاهد العنف والوحشية الفظيعة، التي تعرِضها بعض ألعاب الفيديو والشرائط الغنائية المصوّرة، كما أنّ السينما نفسها تسهم في هذه النظرة إلى العالم، حيث يبدو القتل بواسطة المنشار الآلي عملاً مألوفاً، فضلاً عن الأفلام الإباحية، التي تكفيهم نقرة واحدة للدخول إليها، بمجرّد أن يُدير الأهل ظهورهم.

إن الصدمة التي عاشتها كل من الأُسر التي فقدت أحد ذويها في اعتداءات كانون الثاني عام 2015، أو في اعتداءات 13 تشرين الثاني مدمِّرة للبالغين كما للأولاد على حد سواء، والكبار كما الصغار بحاجة إلى توضيحات صريحة، وإلى السلوان، وكذلك إلى مداواة جرحهم النفسي، وذلك بمساعدتهم على تقبّل الواقع بما فيه من مفاجئ ومؤلم. وهذا ما يتطلب التحلي بالصبر وحسّ التربية. وكذلك تجاوز مرحلة الانفعال وصولاً إلى الجوهر، أي إلى الوقائع. فالحزن حالة قاسية، وتزداد قساوة مع الزمن.

يُحدث فقدان عزيز وغيابه جراحات في الحياة، مهما يكن العمر أو الجنس. وأكثر من البالغين على الأرجح، يتطلّب إفهام الأولاد هذا الأمر كلمات أفضل اختياراً، وأكثر دقّة.

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

استيعاب الموضوع هو بداية الطريق إلى تقبّل الوضع. ولا يعني التقبّل المسامحة، أو النسيان، بل مقاومة وهم إمكان تغيير أي شيء في أحداث الماضي. والتقبّل يعني مواجهة الأمور مباشرة، وإدراك أن الحياة ليست نزهة جميلة كل ما فيها رائع، وحيث الجميع يتمتعون بالطيبة والودّ والشهامة وحبّ الخدمة، وأن الشر قائم، وبإمكان أي كان أن يؤذي إما لمجرد المتعة، أو لسبب آخر خسيس، ومن في قلبه “تعطّش للأذية” لا يرفعه على جبينه، بل يتفاعل كلّ شيء داخل رأسه المغلق على أي كان، حتى على أهله الذين غالباً ما يكونون أول المفاجَئين بالأعمال الرهيبة التي ارتكبتا ابنتهم أو ابنهم.

يجري هذا الحوار شبه المتخيّل بيني وبين إحدى بناتي، ومن البديهي أن طريقة الكلام مع الصبي، ومع البنت، ليست هي نفسها، فبعض المسائل تحظى أكثر باهتمام هذا الجيش، وبعضها باهتمام الجنس الآخر.
والتوضيح بالطبع لا يعني التبرير ولا التبرئة، بل هو يساعد من يتساءل من الجنسين على فهم ما يحدث بطريقة أفضل.

السابق
عائلة الضحية خليل ايوب تستنكر ما تقوم به بعض المواقع الالكترونية
التالي
داعش… بين مسرحيات الاستسلام وخطر الذئاب المنفردة