إلى السيّد هاني فحص

هاني فحص
كنت تأتي يا سيّد وتزورنا. دائمًا تزورنا. أحيانًا كلّ أسبوع. وتنقطع أحيانًا أخرى وتباعد ما بين زياراتك. لكنّك في النهاية كنت تأتي.

كان مكتبنا رحبًا ومليئًا بالكتب على الرفوف. رفوفٌ تبدأ بمحاذاة باب المدخل. كنت تقف هناك عند الباب وتندهنا: “زيارة رعويّة”. كنّا، رعاياك يا أمير، نُغبط ونتنادى. وأنت هناك، تتقدّم خفيفًا بطيئًا، حيث يستوقفك كتابٌ على هذا الرفّ أو ذاك، مجلّة هنا على هذه الطاولة أو مجلّد هناك فوق تلك الرزمة من الصحف والأوراق والصور. لكنّك في النهاية كنت تعبر نحونا. ونقول “أهلًا يا مولانا”، ببهجة إستثنائيّة في تلفّظ تلك الكلمة. “مولانا”، كيف وكلّ “موالينا” إمّا موتى، أو طيفيين وسرابيين. كنت “مولانا” الوحيد الحيّ والواقعيّ. “مولانا” الذي من جسد وروح وأصوات ودخان وسعال ونظرات غائرة في عوالم متلألئة وأوراق مترعة بالكلمات.

اقرأ أيضاً: الشيخ والحرب.. (مع الاعتذار من همنغواي)

وفي ذكر أوراقك، كانت في معظم الوقت أوراقًا متقادمة مستلّة من دفاتر كنت على الدوام أتخيّلها مليئة بنصوص متواصلة لا نهاية لها. دائمًا كان لدي انطباع أن نصوصك، التي كنت تأتينا بها كي ننشرها، هي نصوصٌ من “وسطٍ”، أو من “قلبٍ” ما، وأنّها بلا بداية أو نهاية. وأعتقد أن ذلك يشبهك يا “مولانا”، إذ أنّ دخولك إلى فضائنا كان على الدوام دخولًا في متن سياق قلبيّ، بلا مقدّمات وبلا مخارج.

عندما تأتي كانت أشياءٌ كثيرة تأتي معك وتحيطنا في كلّ اتجاه. تلك المهابة المفعمة بالرّقة والألفة والحنين والنداوة كانت تحلّ في أجسادنا. كان بعضنا يكتب، وآخر يترجم، أو يحرّر، أو يقرأ، أو يبحث عن شيء. كنت أنت تنساب في تفاصيلنا وتسكننا فجأة. كان ذلك لذيذًا جدًّا يا مولانا، أن تجلس وتُكمل مقالة على طاولة حسن، أو على طاولة بسّام أو يوسف، أو على طاولتي، وبقلمٍ من أقلامي.

اقرأ أيضاً: نفوذ إيران استيلائي بلا شراكة

كان ذلك لذيذًا جدًّا. لذيذًا ويستدعي مزيدًا من القهوة والتبغ والكلمات. وأذكر مرّة أنّي فعلتها وقبّلت يدك قبلة “تجريبيّة”، أمام الجميع، كي نختبر هذا المشهد الشائع بين معمّم ومُريد. كان ذلك مزاحًا يا مولانا. وأذكر إذ ذاك خجلك الورع وإصراري العابث. لكن ينبغي أن أعترف. كانت قبلة حقيقيّة، كأنّها على وجنتك، أو جبينك. قبلة حبّ صاف وحسب.
هاني فحص، دائمًا وأبدًا منذ عرفناك ويتملّكني شعور كثيف، لا مناسبة محدّدة واحدة له، بتوجيه كلمة “شكرًا” لك. “شكرًا” أزليّة، بحجم غيمة بيضاء كبيرة، لكرمك ونبلك وشفافيتك وعفويتك، ولمرورك الدائم بنا، لحضورك الدائم بيننا، لانحيازك المقدام لنا، ولحلولك فينا كإمام وصديق.
شكرً يا مولانا، يا صديقنا ويا رفيق الدرب والحريّة.

 

السابق
الجيش العراقي يتقدّم.. وأبار كركوك بدأ بإستعادتها
التالي
إغلاق مكتبي الاونروا في صيدا إحتجاجا على «إستنسابية التعويضات»