عمَّ تبحث تركيا في إدلب؟!

أعلنت السلطات التركية، السبت، انطلاق عملية عسكرية جديدة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وذلك في إطار تنفيذ ما تمّ التوصل إليه سابقاً، بين كل من روسيا وإيران وتركيا بهدف إنشاء منطقة خفض توتر في محافظة إدلب.
وقال الرئيس التركي في تصريحات له إنّ عملّية جدّية يقودها مقاتلو الجيش الحر قد بدأت في إدلب وإنّ القوات التركية لم تدخل بعد الى المحافظة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام. ووفقا لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، فإن تركيا تقوم بالتنسيق مع روسيا خلال العملية العسكرية التي لم يتم إعطاؤها اسماً رسمياً بعد، وذلك من أجل حفظ الأمن في إدلب.

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية دعمها للتحركات التركية الرامية إلى حماية وقف إطلاق النار في إدلب، وقال المتحدث باسم البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط إريك باهون: «ندعم جهود تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، في مكافحة الإرهاب، ومساعيها الرامية إلى حماية حدودها».

إقرأ أيضاً: تركيا افرجت عن آخر دفعة من الناشطين الاكراد السوريين
وسبق هذه العملية بساعات انتشار للعديد من المدرعات العسكرية التركية في ولاية هاتاي على الحدود المتاخمة لسوريا، كما أجرى مسؤولون في القوات التركية جولة تفقدّية على النقاط العسكرية المتمركزة على الحدود للاطلاع على مدى جهوزية القوات المتواجدة هناك.
وقام الجيس التركي بتأمين الغطاء المدفعي لقوات الجيش الحر التي دخلت المحافظة، وذلك من خلال القطع العسكرية المتمركزة على الحدود، في وقت تقيّم فيه الاستخبارات التركية الأوضاع على الأرض تمهيداً لدخول القوات التركية الى محافظة إدلب في مرحلة لاحقة.

وفقاً للتصريحات التي قالها وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، فإنّ الهدف الاساسي لنشر القوات التركية داخل إدلب هو وقف الاشتباكات والتمهيد للمرحلة السياسية في البلاد، على أن يتولى المراقبون مراقبة الوضع على الارض ومنع حصول انتهاكات.
وعلى الرغم من أنّه لم يتم بعد تحديد العدد الفعلي للقوات التركية التي من المفترض لها ان تدخل المحافظة لدعم قوات الجيش الحر، فإنّ هناك تقديرات تشير الى أنّها ستترواح بين 800 و6 آلاف جندي تركي. الفارق بين الرقمين شاسع جداً ولعلّه مؤشّر على أنّ الرقم الاول قد يكون العدد الفعلي للقوات التي ستقوم بدعم العملية عسكريا في مقابل العدد الفعلي للقوات بعد الانتشار الكامل داخل محافظة ادلب.

منع سيناريو حلب

وتتضمن الأهداف المباشرة للعملية التي أعلن الجانب التركي عن بدئها منع تكرار سيناريو مدينة حلب التي كانت قد سقطت بعد هجوم عسكري عنيف من قبل قوات كل من روسيا وايران والنظام السوري، وهو ما أدّى الى كارثة انسانية حملت معها تداعيات عسكرية وسياسية كبيرة على المعارضة السورية.

ووفقا لمصادر رسمية، فقد عبّر الجانب التركي أكثر من مرّة عن عدم قدرته على تحمّل اي سيناريو يتضمن قيام النظام وحلفائه بإسقاط المدينة عسكريا نظراً للتبعات الخطيرة التي سيحملها مثل هذا الامر على الداخل التركي، سياسيا وأمنيا وإنسانياً، وهو ما دفع باتجاه التفاهم الثلاثي حيث توصلت تركيا في مايو الماضي الى اتفاق مع روسيا وايران على انشاء مناطق خفض التوتر داخل سوريا، وتضمن هذا الاتفاق انشاء أربع مناطق من بينها منطقة في محافظة ادلب، كما تمّ التأكيد على هذا الاتفاق في سبتمبر الماضي فيما يتعلق بالتطبيق من الناحية التقنية.

وتسعى تركيا من خلال التدخل العسكري في إدلب الى تأمين الامن داخل المدينة في مقابل قيام روسيا بالتمركز خارج المحافظة، على ان تتولى الاخيرة التواصل مع الاطراف الأخرى. وأشارت السلطات التركية الى انها اتخذت جميع التدابير من أجل التعامل مع أي حركة لجوء محتملة من إدلب إلى الأراضي التركية.

أهداف غير معلنة
وبعيدا عن التصريحات التي نشرت في وسائل الاعلام خلال الساعات القليلة الماضية، فإن الاهداف غير المباشرة للعملية تتضمن أيضا العمل على جعل المناطق الجغرافية السورية المحاذية للحدود مع تركيا مناطق خالية من من المنظمات الارهابية او المتطرفة، وهو ما يصب في نهاية المطاف لصالح حماية الامن القومي التركي والحيلولة دون وقوع هذه المناطق الجغرافية بيد النظام السوري أو لاعبين آخرين بشكل يحرم المعارضة السورية السياسية والمسلحة من حريّة الحركة والمناورة.
أمّا من الناحية السياسية، فيأمل الجانب التركي انّ تؤدي هذه العملية الى الدفع بالمفاوضات السياسية قدماً الى الامام باتجاه المرحلة الانتقالية وذلك من خلال حض المزيد من المعارضة على العمل بشكل موحّد على الارض وربما انشاء قيادة جامعة لهم في مرحلة لاحقة، وهو امر قد لا تعارضه موسكو بالضرورة في حال تم عبر تركيا وبطريقة تتيح حفظ الامن والاستقرار في المناطق التي تتواجد فيها المعارضة وبما يسمح بمفاوضات بعيدا عن الجماعات المسلّحة التي تسعى للسيطرة الجغرافية دون افق سياسي في ظل شح في الدعم الخارجي وحرمان من حاضنة شعبية.

إقرأ أيضاً: الاكراد يتقدمون في الرقة و«الحر» يسيطر على «الباب» في حلب

التصدي لـ«بي واي دي»
وبموازاة هذه الاهداف، يسعى الجانب التركي الى الحد من توسّع ميليشيات «بي واي دي» الكردية في شمال سوريا، ولذلك فإن هذه العملية العسكرية تعتبر إجراءً مكمّلاً لعملية درع الفرات، وهو ما يفهم من خلال ما شدد عليه الرئيس رجب طيب اردوغان عندما قال انّ بلاده لن تسمح أبداً بإقامة كيان إرهابي على حدودها، سواء مع سوريا أو العراق، وتوعد المنظمات الإرهابية بأن بلاده لن تتردد في وضع حد لها دون إنذار مسبق.

من غير المعروف اذا ما كانت روسيا ستعترض على توسّع العملية العسكرية التركية في مرحلة لاحقة لتشمل عفرين على سبيل المثال، خصوصا ان موسكو كانت قد نشرت قوات لها سابقا هناك للحيلولة دون حصول هذا الأمر.
وتسعى تركيا كذلك الى انّ تشكّل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من قبلها نموذجا يمكن استنساخه لاحقا في المناطق التي تسيطر عليها جماعات اخرى من بينها الميليشيات الكردية التي تحظى بدعم عسكري أميركي. لكن من غير الواضح حتى هذه اللحظة ما هو حجم المقاومة التي قد تواج مشروعها هذا من قبل المجموعات المتطرفة والارهابية ذات التوجه الديني او القومي، لكنّ العملية لن تكون سهلة بالتأكيد.

السابق
الاضراب العام يوم الجمعة رفضا للضرائب الجديدة
التالي
الاتفاق النووي الإيراني وعاصفة ترامب