كل عقيدة تحولت الى جهاز سقطت

فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

في احدى الجامعات امس هرج ومرج وشعارات مقززة واستعلاء واستكبار وعصبية تفضح الجهل والتخلف الذي يجتاح شبابنا اليوم ماجرى في جامعة القديس يوسف امس اثار لدي الريبة من مآل احوالنا وتداعيات الانهيارات الانسانية والوطنية التي تصيب مجتمعنا
الحقيقة لا تنتصر بقوة السلاح، او بالانتصار المادي، بل بانتشارها الانساني وتقبلها في بيئات اجتماعية وثقافية متنوعة، طوعا وليس فرضا. بل لأنّ الحقيقة تخاطب تطلعات الآخرين اليها، وتلبي حاجة ذاتية ووجودية لكل انسان، نجحت ثورة الامام الحسين في ان تحقق الانتصار، ليس في المجال الاسلامي فحسب بل على المدى الإنساني، رغم الانكسار المادي الذي شهدته كربلاء للحسين واهل بيته وصحبه قبل نحو 14 قرناً. انتصرت حقيقة الحسين الانسانية وعدالة قضيته وهزمت قوة يزيد بن معاوية رغم انتصاره العسكري. انتصرت لأن القيم التي رفعتها ثورة كربلاء عن العدل والايثار واحترام الانسان وحريته إخترقت الزمن وتسربت الى الوجدان الانساني عموما، بمعزل عن الانتماء الديني او غير الديني.

إقرأ أيضاً: دور المسيحيين في لبنان امام سحر الطائفة القوية

هكذا هي سير الكبار في تاريخنا الانساني، الذين انتصروا عبر القيم التي زرعوها، لأن معظمهم لم يحقق انتصارا ماديا او عسكريا في حياته، بقدر ما نجح في بذر الأخلاق والافكار والقيم التي خاطبت التطلعات العميقة للانسان في اي زمان ومكان. .
ولعل نموذج عيسى بن مريم مثال صارخ على قدرة الحقيقة ان تنتصر امام قوة السلاح وجبروت السلطان. و النبي محمد اختصر دوره ورسالة الاسلام كلها بكلمات بسيطة لا تحتاج الى جهابذة المفسرين او فلاسفة علم الكلام : “انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

إقرأ أيضاً: الجيش القضاء وهيئات الرقابة.. من هنا يبدأ الاصلاح

كلّ ثورة أو فكرة أو عقيدة أو حزب أو طائفة إنتهى حين قرّر أنّه وحده على حقّ وأنّ التاريخ انتهى، أو سينتهي، عند تجربته. الأكثر إخفاقا هي الأنظمة البوليسية: الإتحاد السوفياتي نموذجا. ربما هو الحضارة الأقصر عمرا في تاريخ البشرية المعروف. لم يدم قرنا واحدا حتّى.
ودائما لحظة السقوط كان المهزومون، بأفعالهم أولا، وليس بأعدائهم، يتحدّثون عن “مؤامرة”. كانوا يتوسّعون خارج الحدود قبل أن يقعوا. من روسيا إلى ألمانيا هتلر ثم بريطانيا وفرنسا في النصف الأول من القرن الأخير وصولا إلى اليوم.
كلّ فكرة أو عقيدة تحوّلت إلى جهاز، سقطت. الأجهزة تخترق وتقتل وتفجّر وتستبد وتطغى، لكنّ الأفكار تنمو وتطور و تبقى حيّة. تموت الفكرة حين تصير رجلا أو حزبا. حين تتوقف عن كونها قيمة أخلاقية وانسانية، وتصير لحما ودما ومالا وسلاحا اوعنصرية طائفية ومذهبية.

السابق
علي الأمين: نظام البراميل لا يمكن له أن يحكم سوريا في المستقبل
التالي
علي الأمين: لو لم يدعم كل من الأمريكي والاسرائيلي الأسد لسقط منذ زمن